قال ابن مالك : والأولى عندي جعله توكيدا لفظيا ؛ لأن عطف البيان حقه أن يكون للأول به زيادة وضوح ، وتكرير اللفظ لا يتوصل به إلى ذلك ، وفارق بما ذكرناه سائر التوابع إلا النعت ، (لكن يجب جموده) ولو تأويلا ، وبذلك يفارق النعت ، والمراد بالجامد تأويلا العلم الذي كان أصله صفة فغلبت ، (لا كونه أخص من المتبوع أو غير أخص) منه ، أي : لا يجب واحد منهما (في الأصح) قال في شرح «الكافية» : واشترط الجرجاني والزمخشري زيادة تخصيصه ، وليس بصحيح ؛ لأنه في الجامد بمنزلة النعت في المشتق ، ولا يشترط زيادة تخصص النعت فكذا عطف البيان ، بل الأولى بهما العكس ؛ لأنهما مكملان ، وقد جعل سيبويه (ذا الجمة) من (يا هذا ذا الجمة) عطف بيان مع أن (هذا) أخص انتهى.
وقال في شرح «التسهيل» : زعم أكثر المتأخرين أن متبوع عطف البيان لا يفوقه في الاختصاص ، بل يساويه أو يكون أعم منه ، والصحيح جواز الثلاثة ؛ لأنه بمنزلة النعت ، وهو يكون في الاختصاص فائقا ومفوقا ومساويا ، فليكن العطف كذلك انتهى.
فذكر في كل من الكتابين مسألة ، وتحصل من ذلك في المسألتين ثلاثة أقوال ، وقال أبو حيان : شرط ابن عصفور أن يكون عطف البيان أعرف من متبوعه ، وعلله بأن الابتداء بالأخص يوجب الاكتفاء به ، وعدم الحاجة إلى الإتيان بما هو دونه ، (ويوافقه) أي : متبوعه (في الإفراد والتذكير والتنكير وفروعهما) أي : التثنية والجمع والتأنيث والتعريف كالنعت.
(ومنع البصرية جريانه على النكرة) وقالوا : لا يجري إلا في المعارف ، كذا نقله عنهم الشلوبين ، قال ابن مالك : ولم أجد هذا النقل عنهم إلا من جهته ، وذهب الكوفيون والفارسي والزمخشري إلى جواز تنكيرهما ومثلوا بقوله تعالى : (مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ) [إبراهيم : ١٦] ، وقوله : (أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ) [المائدة : ٩٥] ، (مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ) [النور : ٣٥] ، وهو الصحيح ، واحتج المانعون بأن الغرض في عطف البيان تبيين الاسم المتبوع وإيضاحه ، والنكرة لا يصح أن يبين بها غيرها ؛ لأنها مجهولة ولا يبين مجهول بمجهول ، وأجيب بأنها إذا كانت أخص مما جرت عليه أفادته تبيينا ، وإن لم تصيره معرفة ، وهذا القدر كاف في تسميته عطف البيان ، قال ابن عصفور : وهو مبني على اشتراط كونه أخص ، (وجوز الزمخشري تخالفهما) فأعرب قوله تعالى : (مَقامُ إِبْراهِيمَ) [آل عمران : ٩٧] عطف بيان وهو معرفة جار على (آياتٌ بَيِّناتٌ) وهي نكرة ، قال أبو حيان : وهو مخالف لإجماع البصريين والكوفيين فلا يلتفت إليه.