يديه أحد إلا بخير ، طاهر اللسان من السب والشتم ، لم يكتب بقلمه أذى لمسلم قط.
ومناقبه قد صنفت فيها مصنفات عديدة ، ولا شك أن سيرته وسيرة الملك العادل حجة الله تعالى على من بعدهما من الملوك والأمراء وغيرهم ، ولهذا ذكرت هذه النبذة اليسيرة ليتنبه بها من يقف عليها ، والله الموفق.
وفي أيامه رحمهالله ركب الفرنج من الأمر العظيم فكرا ، وافتضّوا من البحر طريقا بكرا ، وذلك أنهم عمروا مراكب حربية وشحنوها بالمقاتلة والأسلحة والأزواد ووجهوها إلى سواحل الحجاز ، فبعضهم توجه إلى عيذاب ، وأذاقوا أهلها العذاب ، وأسروا تجار اليمن ونهبوا ما معهم ، وبعضهم توجه إلى أرض الحجاز.
وكان الذي فعل ذلك الإبرنس (١) صاحب الكرك ، وذلك أنه لما صعب عليه ما يواليه من ممالك السلطان صلاح الدين ، أعمل الحيلة فبنى سفنا وأتقنها ، ثم نقل أخشابا إلى الساحل ثم ركب المراكب هناك وعمرها.
فلما توجهوا إلى أرض الحجاز ، أشرف أهل المدينة على الخطر ، ووصل إلى مصر الخبر ، وبها الملك العادل أخو صلاح الدين نائبا عنه. فاشتد حزن المسلمين لفناء بيت الله الحرام ، ومقام خليله الأكرم ، وضريح نبيه الأعظم ، فجهز الملك العادل مراكب في البحر وشحنها بالمقاتلة أهل النخوة للدين والحمية ، البائعين لله تعالى أنفسهم ، فقصدوهم ، وكانوا قد افترقوا فرقتين كما تقدم ، فألفوا المراكب التي توجهت إلى الحجاز في أرض رابغ ، ومن جهة ينبع في أرض الحوراء ، والآخرين في عيذاب ، فواقعوهم وأوقعوا بهم فظفرهم الله بجميعهم ، وتبعهم في الجبال والشعاب وحصروهم حتى أمكنهم الله منهم ولم يقهم منهم أحد ، وعادوا إلى القاهرة بالأسارى ، فأمر السلطان صلاح الدين بضرب رقابهم حتى لا تبقى منهم عين تطرف ، ولا أحد يخبر عن طريق ذلك البحر ولا به يعرّف.
وكان الذي دل الإفرنج على ذلك الطريق وأخبرهم بعورات الساحل
__________________
(١) في (أ): «الأبرش».