انعطاف على ما تقدّم من ذكر الأمير قاسم بن مهنا وذريته وكان الأمير قاسم بن مهنا منفردا بولاية المدينة المشرفة من غير مشارك ولا منازع ، فلما توفي تولى موضعه أكبر أولاده ، وهو جماز جدّ الجمامزة ، واستمر فيها إلى أن توفي ، ثم استقر في موضعه ولده قاسم بن جماز بن قاسم بن مهنا ، واستقر فيها إلى أن قتله بنو لأم.
وكان الأمير شيحة نازلا في عربه قريبا منه ، فلما بلغه قتل قاسم توجه إلى المدينة مسرعا حتى دخلها وملكها ، وذلك في سنة أربع وعشرين وستمائة فاستقر فيها ، ولم يتمكن الجمامزة من نزعها منه ولا من ذريته ، وأقام شيحة في الولاية مدة طويلة ، وكان يستنيب في الولاية على المدينة إذا غاب ولده عيسى ، فقدر أن الأمير شيحة توجه إلى العراق فظفر به بنو لأم فقتلوه ، وكان ولده عيسى في المدينة ، فطمع الجمامزة في المدينة فجاء منهم جماعة على غفلة قاصدين الاستيلاء على المدينة ، ففطن بهم الأمير عيسى فقبض عليهم ، وقيل : إنه قتلهم ، والله أعلم.
واستقر الأمير عيسى على الولاية مدة ، ثم إنه أظهر لأخويه منيف وجماز الكراهية لإقامتهما معه في المدينة فأخرجهما ، ومنعهما من الدخول.
فاتفق رأيهما على خلعه من الولاية ، وإعمال الحيلة في ذلك ، فكاتبا وزيره في ذلك ، وكان من العنانيين فأمرهما بالقدوم عليه ، واحتال لهما إلى أن أدخلهما الحصن العتيق بالليل ، ولم يكن يومئذ للإمارة حصن غيره ، فقبضا على عيسى وقيداه ، وأصبح حاكم المدينة الأمير أبو الحسين منيف بن شيحة ، وذلك في سنة تسع وأربعين وستمائة ، ولم يزل حاكما بالمدينة وأخوه جماز يوازره ويساعده إلى أن توفي في سنة سبع وخمسين وستمائة ،