أراكم هاهنا وميراث رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقسم في المسجد؟ فذهب الناس إلى المسجد وتركوا السوق فلم يروا شيئا.
فقالوا : يا أبا هريرة ، ما رأينا ميراثا يقسم!
قال : فما رأيتم؟
قالوا : رأينا قوما يذكرون الله عزوجل ، ويقرؤون القرآن ، وينشرون العلم.
فقال : ذلك ميراث محمد صلىاللهعليهوسلم.
فواجب إذا تعظيمهم وتوقيرهم ، وما أحق من إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم انتمى بهذا المعنى ، فإن سر المخدوم يسري إلى خادمه فيتأدب بآدابه ، ويشكر الله تعالى إذ جعله على بابه ومن حجّابه ، وأن أهّله لنسبة الخدمة ، وكفى بها من نسبة ، فيقال : خادم النبي صلىاللهعليهوسلم ، ويمثل نفسه الغوية بين يديه صلىاللهعليهوسلم ، فيرضى لها من الأدب ما يعلم أنه يرضاه لو رآه ، وأين القلب الصافي ، والعقل الوافي ، الذي ينظر الأولياء بهما في هذه المعاني.
تنبيه
حكى لي الشيخ الإمام العلامة أقضى القضاة جمال الدين محمد بن أحمد المطري (١) أنه كان بالمدينة الشريفة رجل صالح عظيم القدر من أرباب القلوب يقال له : الزجّاج ، وكان شيخا لجمال الدين وللشيخ محمد بن إبراهيم المؤذن (٢) ، وكانا بعد موت والديهما مؤذنين متواخيين في رئاسة الأذان ، يتعاقبون في الوقت.
قال لي : فكنا نجيء إلى باب المسجد في السّحر للدخول لأجل الأذان ، فنجد الشيخ قاعدا على الباب في ذكر وقراءة.
قال : فأدق الباب ، فيقول لي صاحب النوبة : من هذا؟
__________________
(١) ترجمته في : «لحظ الألحاظ» ص ١١٠ ، «الدرر الكامنة» ٣ / ٣١٥ ، «الأعلام» ٥ / ٣٢٥ ، «التحفة اللطيفة» ٢ / ٤١٣.
(٢) هو : محمد بن إبراهيم بن محمد الجمال أبو عبد الله الكناني ؛ ولد سنة ٦٢١ ، وكان شيخا صالحا خيّرا فاضلا ، رئيسا بالحرم ، توفي سنة ٧٢٧. انظر ترجمته في : «التحفة اللطيفة» ٢ / ٤٠٧ ، «المغانم المطابة» الورقة ٢٦٤ / ب.