فأقول له : محمد. فيفتح لي ، ثم يجيء صاحبي فيفعل معه مثل ذلك ، ثم كذلك لثالثنا ، وكان اسمه عبد الرحمن ، من قرابة الشيخ محمد بن صالح (١) نائب الإمامة والخطابة.
قال : فخلا الشيخ بي وقال لي : يا محمد ، أنت تتصور ما أنا وأنت فيه كل ليلة؟
فقلت له : لا علم لي.
فقال لي : صدقت ، لو علمت لظهر عليك أثره. ثم قال لي : أحضر عقلك وانظر إلي كيف أبقى بعدك محجوبا عن الدخول ، وأنت مأذون لك دوني ، فتدخل وتجتمع بمحبوبك وتخلو به وتتلذذ بمناجاته ، وأنا مطرود وراء الباب مبعود! يا بني هذا حال الآخرة ، لا يفعل بك مثل ما هو اليوم يفعل بي.
قال : فوجدت بذلك موعظة عظيمة كنت عنها غافلا.
فانظر إلى هذا الشيخ كيف نبه على هذا الكيف ، وحال من انتمى إلى هذا المحل يجري هذا المجرى ، أليس هو صلىاللهعليهوسلم يسمع من يسلم عليه؟
فإذا وقف أحدنا بين يديه كوقوف المملوك بين يدي المالك ، وقد خالفه في أمره له ونهيه ، وارتكب من الأخلاق السيئة ما لا يرضى به ، أليس جديرا بأن يعرض عنه ، ويغضب عليه ، ويقول له بلسان الحال : أنت لا تصلح لقربي ، ولا أن تكون في زمرتي ، ولا أرضى أن تكون معي ، بأي وجه تأتي إليّ وأنت المسيء إلى جيراني وأحبابي ، ومن هو منتمي إلى سنّتي؟
فما الجواب يا ضعيف الرأي ، وقد أخرك عملك ، وجنى عليك خلقك؟
ولا أقول هذا لغيري حتى أبدأ بنفسي ، ولهذا أمثال في شريعته صلىاللهعليهوسلم يشهد لما ذكرته.
__________________
(١) هو : محمد بن صالح بن إسماعيل الشمس بن التقي الكناني : ولد سنة ٧٠٣ ، تولى الخطابة والإمامة ، وكان عارفا بالقراءات ، توفي سنة ٧٨٥. انظر ترجمته في : «التحفة اللطيفة» ٢ / ٤٨٤ ، «الدرر الكامنة» ٣ / ٤٥٧.