قال علماؤنا رحمهمالله : إذا أكرى رجل داره لرجل ، فظهر منه دعارة ، أو فسق ، أو شرب خمر ، أو سرقة ، أو شبه ذلك مما يؤذي الجيران ، فإن الحاكم يكفّ أذاه عن رب المنزل وعن الجيران ، فإن كفّ وإلا أخرج منها ولزمه كراؤها ، فإن جاء من يكتريها ، وإلا تركت خالية ووزن كراءها.
وكذلك لو كانت الدار ملكه ، وظهر منه شيء من ذلك عاقبه الحاكم على ذلك ، فإن لم ينته أخرجه الحاكم منها وباعها عليه ليستريح جيرانه من ضرره.
وفقنا الله للأدب في هذه الحضرة الشريفة ، ورزقنا حسن جواره صلىاللهعليهوسلم وشرف وكرم.
فاحذر أن يمحى اسمك من جيران المجاورين ، وأن تحبط خدمتك لهذا النبي الكريم صلىاللهعليهوسلم ، وأن تنفى عن هذا المحل الأسنى إن لم يكن حسا فبالمعنى ، فيجب على كل من انتمى إلى هذا الجناب الكريم أن يتخلق بأخلاقه صلىاللهعليهوسلم ، ويعامل جيرانه بما يرضيه من احترام الكبير والصغير ، والشفقة عليهم والعفو عن المسيء.
فمن أخلاقه صلىاللهعليهوسلم : الحلم والاحتمال ، والعفو مع القدرة ، والصبر على ما يكره.
ولما كسرت رباعيته وشج وجهه يوم أحد ، قيل له : يا رسول الله لو دعوت عليهم.
فقال : «إني لم أبعث لعانا ، ولكن بعثت داعيا ورحمة لهم ، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون».
قال القاضي عياض (١) : انظر ما في هذا القول من جماع الفضل [ودرجات الإحسان](٢) وحسن الخلق ، وكرم النفس وغاية الصبر والحلم ، إذ لم يقتصر صلىاللهعليهوسلم على السكوت عنهم حتى عفا ، ثم أشفق عليهم ورحمهم ودعا وشفع لهم.
__________________
(١) الشفاء : ١ / ١٠٦.
(٢) ساقطة في جميع النسخ ، وما أثبته من «الشفا».