هرب ، عمد المطار الهندى ـ ومن معه من سفهاء الجيش ـ إلى دور بني الجلندى فأحرقوها [م ٢٨٢] بالنار. وكان في الدور دواب مربوطة من البقر وغيرها ، فبلغنا أن رجلا من السرية كان يلقي نفسه في الفلج ـ حتى يبتل بدنه وثيابه ـ ثم يمضي في النار حتى يقطع للدواب حبالها ، فتنجي أنفسها من النار ، فبلغنا أنهم أحرقوا لهم تسعين غرفة أو خمسين.
وبلغنا أن نسوة من بني الجلندى خرجن على وجوههن إلى الصحراء هاربات ، ومعهن أمة ، فلبثن بها ما شاء الله ، فاحتجن إلى الطعام والشراب ، فانطلقت الأمة إلى القرية في الليل تلتمس لهن طعاما وشرابا ، فلما وصلت إلى القرية ليلا ، وجدت شيئا من السويق (١) وسقى من أسقية اللين (٢). فعمدت إلى الفلج ، فحملت في سقاها ماء ، فبصرها رجل من السرية قد توجهت نحو النسوة بالماء والسويق ، فأدركها الرجل في بعض الطريق ، فأخذ منها السويق وصبه في الرمل ، وأراق الماء ثم انصرف عنها.
فبلغنا أن أبا مروان لم يأمر بهذا الحرق ، ولعله قد نهى عنه ، ولم يقبل قوله. [م ٢٨٣] وبلغنا أن الإمام بعث رجلين إلى قوم الذين أحرقت منازلهم ، فدعاهم إلى الإنصاف ، وأن يعطوهم ما وجب لهم من الحق ، وبلغنا أن القوم الذين اجتمعوا مع أبي مروان إثنا عشر ألفا ، والله أعلم.
ولم يزل المهنا إماما حتى مات ، يوم سادس عشر ربيع الآخر سنة سبع وثلاثين ومائتين. وكانت إمامته عشر سنين وأشهر وأياما.
__________________
(١) السويق هو ما يتخذ من الحنطة والشعير ، ويقصد به الخبز.
(٢) السقى : الحظ من الشرب ، والجمع أسقية. وفي تحفة الأعيان (ص ١٥٥) ، وكذلك في الفتح المبين (ص ٢٣١) جاءت العبارة (وسقاء من أسقية اللبن).