وكان عمارة يعرف عند أهل بلده بالحدقي ، وعند أهل مصر باليمني ، وعند أهل اليمن وأهل عدن والجبال بالفقيه ، وعند أهل زبيد بالفرضي.
وفي سنة تسع وأربعين وخمس مئة حج عمارة ، فسيره صاحب مكة قاسم بن هاشم بن فليته رسولا إلى الخليفة الفائز (١) الفاطمي في مصر ، فدخلها في شهر ربيع أول سنة خمسين وخمس مئة ، ومدح الخليفة بقصيدة ميمية فوصله ، ومدح ابن رزيك (٢) فأحسن صلته ، وأقام بمصر حتى شوال سنة ٥٥٠ في أرغد عيش وأعز جانب ، وعاد إلى مكة ، ومنها إلى زبيد فبلغها في صفر سنة ٥٥١ ه. ثم حج مرة أخرى في هذه السنة ، فأوفده صاحب مكة ثانية إلى مصر ، فبقي بها ولم يفارقها بعد ذلك.
ويقول ابن خلكان عنه (٣) ـ وكان شافعي المذهب ، شديد التعصب للسنة ، أديبا ماهرا مجيدا ، محدثا ممتعا ـ واحتفظ عمارة إلى آخر لحظة من حياته بمذهب أهل السنة ، ولكن لم يحل هذا دون أن تتوطد عرا الصداقة والمودة بينه وبين الحكومة في مصر ، التي كان يدين خلفاؤها ووزراؤها بالمذهب الفاطمي.
وكان الوفاء سجية هذا الشاعر ؛ وذلك لأن الفاطميين قد أسروه بإحسانهم ، فنظم في مدحهم الكثير من الشعر ، فأحسن الملك الصالح (٤) وبنوه وأهله إليه كل الإحسان ، وصحبوه مع اختلاف العقيدة لحسن صحبته. وله في الصالح وولده (٥) مدائح كثيرة.
__________________
(١) هو أبو القاسم عيسى تولى الخلافة في مستهل صفر سنة ٥٤٩ وتوفي في ١٧ رجب سنة ٥٥٥ (وفيات : ١ / ٣٩٥ بولاق ١٢٩٩ ه.).
(٢) هو الملك الصالح طلائع بن رزيك ، ولد سنة ٤٩٠ وتوفي في ١٩ رمضان سنة ٥٥٦ وتولى الوزارة من ربيع أول سنة ٥٤٩ إلى رجب سنة ٥٥٥ ه.
(٣) وفيات : ٣ / ١٠٩.
(٤) الملك الصالح طلائع بن رزيك (راجع هامش ٢ في نفس الصفحة).
(٥) هو أبو شجاع العادل محيي الدين رزيك بن طلائع ، تولى وزارة الخليفة العاضد الفاطمي في شهر رجب سنة ٥٥٥ إلى ٢٢ من المحرم سنة ٥٥٨ ه. حيث تولى بعده أبو شجاع شاور بن مجير بن نزار (زامباور / المترجم : ١ / ١٥٠).