والجدير بالملاحظة أن هذا الموضوع يكتنفه الجم من المفارقات ، والكثير من المتناقضات ، حتى ليكاد يستحيل على المرء تقديم ما يداني في اعتدال ، ما أطنب فيه رواة العرب من وصف هذه القبائل وأنسابها. فالكثير من القبائل سواء ما كان منها مغمورا أو مشهورا ، يجمعها اسم واحد وإن لم يقل الجدال في وحدة أصلها.
ويحدثنا الهمداني عمن يحمل من العرب اسم جعدة فيقول : إنهم يزعمون الانتماء إلى قبيلة جعدة الإسماعيلية المنحدرة من قيس عيلان ، منوها بأنه كان من عادة قبائل عرب البادية استغلال تشابه الاسم لإثبات نسبها ، وادعاء ما لسميتها من شرف مرموق. يقول الهمداني : إن هذا الأمر كان كثير الحدوث ، وإنه وقع في غالب الأحيان تحت نظره وملاحظته.
وقد اصطلح على تقسيم سكان شبه الجزيرة العربية إلى شعبين كبيرين : أحدهما وهو الأقدم ، يعرف عادة باسم القبائل اليمنية ، إذ سكنوا في الغالب ، وما زالوا يسكنون الأقاليم الجنوبية من بلاد العرب ، ويزعمون أنهم السلالة الأولى لقحطان الذي يرى العرب أنه ورد في أسفار اليهود باسم يقطان. وهو جد حزر مافث (حضرموت) ، وأزال شبيه (سبأ) وغيرهما. ويقول : إنه كان يسكن شبه الجزيرة العربية جيل من القبائل أقدم من هذا الشعب ، باد بنظمه منذ زمن سحيق ، ولا يعرف من بقاياه أثر يدلنا على ذراريه. والروايات عن السكان الأصليين لا تستند إلى مرجع وثيق ، فيما عدا قليل من التفصيلات حفظتها لنا سور القرآن. وقد اشتهر عن هؤلاء القوم أنهم كالقحطانيين من سلالة سام بن نوح ، وسار الاعتقاد أن لغتهم كانت العربية ، وأنها لحقيقة مؤكدة بالنسبة لبعض القبائل.
والشعب الكبير الثاني ينتسب إلى إسماعيل بن إبراهيم ، ويسمى العرب الإسماعيلية أحيانا بالنزارية أو المعدية ، نسبة إلى نزار بن معد بن عدنان. والروابط الدقيقة في سلسلة النسب من إسماعيل وعدنان لا يمكن ضبطها ، ولكن صحة هذا النسب ليست موضعا للشك أو الخلاف ، وقد قيل : إن عدنان كان معاصرا للنبيين جرميا وباروخ وبتختنصر وهذا الأخير صدع كما جاء في الروايات العربية بما أمره به ربه ، وغزا بلاد العرب الشمالية