ملكت الأمر وقفت لي عجوز بخطي فعرفته (١) ، فلم يسعني إلا أداء شهادتي. وكان مثال ما كتبته بخطه ليذكره إن شاء الله تعالى.
ومن أخبار الصليحي في مبادىء أمره ، ما حدثني به السلطان ناصر بن منصور الوائلي ، عن جده عيسى بن يزيد ، قال : إن عليّا (٢) بن محمد الصليحي ، كان دليلا على طريق السراة [والطائف](٣) خمس عشرة [سنة](٤) ، وإن الناس في أول ظهوره كانوا يقولون له : قد بلغنا أنك ستملك اليمن بأسره ، ويكون لك شأن ودولة ، فيكره ذلك ، وينكره على قائليه. مع كونه أمرا قد شاع في أقواله بأفواه الناس [من](٥) الخاصة والعامة.
ولما كان من سنة تسع وثلاثين (٦) وأربع مئة ، ثار الصليحي في رأس مسار ، وهو أعلى ذروة في جبال حراز. وكان معه يومئذ ستون رجلا ، قد حالفهم في مكة في موسم سنة ثمان وثلاثين (٧) وأربع مئة ، على الموت [و](٨) القيام بالدعوة ، وما منهم إلا من هو من قومه وعشائره في منعة وعدد كثير. ولم يكن برأس الجبل بناء ، بل كان قلة فائشة منيعة. فلما ملكها الصليحي لم ينتصف النهار الذي ملكها في ليله ، إلا وقد أحاط به عشرون ألف ضارب سيف وحصروه وشتموه وحمقوه وقالوا له : إما نزلت وإلا قتلناك أنت ومن معك بالجوع. فقال لهم : إني لم أفعل ما فعلت إلا خوفا علينا وعليكم ، فإن تركتموني أحرسه [لكم] وإلا نزلت إليكم ، فانصرفوا عنه (٩).
__________________
(١) أي أتتني عجوز وفي يدها ورقة بخطي.
(٢) في الأصل : علي.
(٣) زيادة من وفيات.
(٤) في الأصل : سنة تسع وعشرين.
(٥) في الأصل : ثمان وعشرين.
(٦) في الأصل : على الموت على القيام بالدعوة والتصحيح من وفيات.
(٧) أما رواية الخزرجي في الكفاية (٤٧) فقد قال : «وقالوا له : إن نزلت وإلا قتلناك أنت ومن معك». فقال لهم : «أنا ما فعلت هذا إلا خوفا عليكم أن يملك هذا الجبل غيرنا فإن تركتمونا نحرسه لكم وإلا نزلنا» فانصرفوا عنه وتفرقوا.