ومن سنة خمس وخمسين استقر قرار الصليحي بصنعاء ، فأخذ معه ملوك اليمن التي أزال ملكها. فأسكنهم معه ، وولى في الحصون غيرهم ، واختط بصنعاء عدة قصور.
حدثني محمد بن بشارة من أهل صنعاء ، سنة خمس وثلاثين وخمس مئة ، وذكر أن عمره قد ناهز الثمانين فقال : لم أعقل بقصر الصليحي إلا مستهدما ، وجميع من بنى دارا بصنعاء يبني بأنقاض قصور الصليحي ، ومن تلك المدة إلى الآن وما فني طوبه وأحجاره وأخشابه.
وأما زبيد وأعمالها تهامة ، فكان الصليحي أقسم لا يوليها (١) إلا من وزن له مائة ألف دينار ، ثم ندم على يمينه (٤) وأراد أن يوليها صهره ، أسعد بن شهاب ، صنو أسماء بنت شهاب ، زوجة علي بن محمد الصليحي [فوزنت له زوجته أسماء عن أخيها أسعد بن شهاب فولاه](٢) فقال لها زوجها [يا](٣) مولاتنا أنى لك هذا؟ [فقالت](٤)(هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ)(٥) ، فتبسم وعرف أنه من خزائنه ، فقبضه وقال : (هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا)(٦) فقالت له : (وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا)» (٧).
ودخل أسعد بن شهاب زبيد سنة ستة وخمسين وأربع مئة ، وأحسن السيرة مع الرعايا ، وفسح للسنة في إظهار أديانهم (٨) وسكن دار شحار وهي بنية لا تكاد همة الخراب أن ترتقي إليها. ولا يقدر سلطان الفساد أن يتسلط عليها ، وهي مما بناه شحار بن جعفر مولى بني زياد ، صاحب مخلاف جعفر. قال أسعد بن شهاب : فاستلقيت يوما على ظهري أفكر في أمري وأقول : إن الصليحي مبجل وقد ولاني زبيد ، وهو يرى مكان السلطان
__________________
(١) في الأصل : لا ولاها.
(٢) زيادة من وفيات.
(٣) سورة آل عمران ؛ آية : ٣٧.
(٤) سورة يوسف ؛ آية : ٦٥.
(٥) نفسه.
(٦) قرة ورقة : ٢٢ قال : «وأذن لأهل السنة بإظهار مذهبهم» ؛ وفي اللطائف ورقة : ١٧ : «وعامل أرباب الدولة النجاحية بالحسنى».