ولا يؤذي أحدا من الرعايا بظلم ، ولا غيره. فكان يحتسب للعمال بما قبض منهم جياش في أشهر الصيف والخريف. فإذا خرج الشتاء والربيع ، ارتحلت العرب عن تهامة إلى الجبال وملكها جياش. فتارة يكون رحيل العرب عنها بالقتال ، وتارة (بغير قتال) (١). وإذا عاد جياش إلى زبيد نشرت المصاحف ، وابتهل له الرعايا بالدعاء ، وحفلت (٢) الفقهاء ، وتطاول العلماء : واحتسب جياش أيضا للعمال ، وجباة الأموال بما قبضه منهم سبأ في شهور الشتاء والربيع.
ولما طال ذلك من أمرهما ، أشار الوزير خلف بن أبي الطاهر على (٣) جياش بأن يعتقله (٤) ، ويقبض على أمواله وأملاكه ، ويقيم محمد بن الغفاري وزيرا له ، ففعل ذلك. ثم أن خلفا نقب الحبس ، وهرب إلى سبأ ، فحسن موضعه منه. فلم يزل يحسن لسبأ النزول إلى تهامة ، وضمن له من الحيل (٥) والمكائد ، ما يقطع به دابر (٦) جياش ... ، (٧) لسبأ ما لا يقوم به مقام النصف ، وأن يشترط على سبأ إبعاد الوزير خلف من عنده ، فلما فعل جياش ما أشار به الوزير ، واستحكمت أطماع العرب في البلاد واطمأنوا ، ثم أن القائد ريحان الكهلاني ، مولى سعيد بن نجاح ، بيت العرب ليلا ، وهم مرتبون على باب زبيد ، في عشرة آلاف. وكانوا ثلاثة آلاف فارس ، وعشرة آلاف راجل فلم ينجح منهم إلا صبابة يسيرة ، وهلك الجميع قتلا بالحراب ، وهرب سبأ في تلك الليلة ، راجلا في أغمار الناس ، حتى لقيه في آخر الليل من حمله ، فلم تعد العرب إلى تهامة (٨) بعدها [٣٩].
__________________
(١) في الأصل : بالوباء وأثبتنا رواية خ.
(٢) في الأصل : حلفت ، في خ : ظهرت.
(٣) في الأصل : ابن جياش.
(٤) أي يعتقل خلف (حاشية : ٣٩) (كاي).
(٥) في الأصل : الحيرة.
(٦) في الأصل : دابرة.
(٧) يظهر أنه توجد هنا عبارة ، لم تكتب في الأصل.
(٨) تعرف هذه بموقعة الكظائم : عيون : ٧ / ١٣٣ ؛ نزهة ١ / ٦١ ، [التعليق على الحاشية : ٣٩].