ورأى (١) الداعي سبأ بن أحمد من علو همتها (٢) ، وشرف أفعالها (ما حقر نفسه معها) (٣) ، وإن أحدا من الناس لا يعدل بها أحدا ، وكل أحد يقول : مولاتنا ، مولاتنا. وأرسل الداعي سبأ بن أحمد إلى الحرة الملكة في السر ، يسألها أن تأذن له بالدخول إليها ، إلى دار العز. ليتوهم الناس أنه دخل بها ، ففعلت ذلك ، وزعم قوم من أهل ذي جبلة أنه اجتمع بها ليلة واحدة ، ثم ارتحل في صبيحتها ، وقوم يقولون : إنها بعثت إليه جاريتها فلانة ، وكانت شبيهة بها. ونمى ذلك إلى الداعي سبأ بن أحمد فباتت الجارية واقفة على رأسه ، وهو جالس لا يرفع طرفه إليها ، حتى إذا طلع الفجر ، صلى. وأمر بضرب الطبول ، وقال للجارية : أعلمي مولاتنا أنها نطفة شريفة لا توضع إلّا في مستحقها. ثم سار فلم يجتمعا [٤٢] بعد. ويقال : إن الداعي سبأ بن أحمد ، ما وطىء أمة قط ، ولا شرب مسكرا ، وكانت زوجته الجمانة بنت سويد بن يزيد (٤) الصليحي ، تقول : «أنا لا أغير على مولانا سبأ ، لأنه لا يطأ أمة قط». والعربيات تقول : ما أنسلت حواء مثل الجمانة ، غير أسماء بنت شهاب.
ودخل في هذه المدة شجاع الدولة ، وأغنوه ، ودفع له شمس المعالي ألوفا من المال ، وكان كريما ، وهو زوج فاطمة بنت المكرم ، من الحرة الملكة ، ثم تزوج عليها ، فكتبت إلى أمها ، تستنجدها ، فأمدتها بالمفضل (٥) بن أبي البركات في عساكر. ولبست فاطمة زي الرجال. وفصلت (٦) من حصن زوجها في عسكر المفضل ، فسيرها إلى أمها الملكة ، وأدام الحصار على شمس المعالي ، حتى أخرجه من مملكته بأمان على نفسه. فوصل إلى الأفضل مستنجدا ، فلم يلتفت الأفضل إليه ، ولم يكرمه
__________________
(١) في الأصل : وأني ، والتصحيح من خ.
(٢) في الأصل : من على ، التصحيح من (كاي). والأفضل أن نقول من عالي.
(٣) في الأصل : وخفي ذكره عنه ، والتصحيح من عيون.
(٤) في خ : زيد.
(٥) في الأصل : بالفضل.
(٦) يعني خرجت.