لما مات أبو البركات والد الأمير المفضل ، بعد الملك المكرم ، جعلت الحرة ولاية التعكر ، إلى المفضل بن أبي البركات ، بعد أبيه ، وكان التعكر مقر ذخائر بني الصليحي التي صارت إليهم من ملوك اليمن ، والحرة تطلع من ذي جبلة في أيام الصيف ، فتقيم به. وإذا برد الوقت سكنت بذي جبلة. والمفضل يتصرف عن أوامرها ، ويدخل عليها مع خواص وزرائها. والأمراء والأكابر من عبيدها ، وهو رجل الدولة ومدبرها ، والمرجوع إلى رأيه وسيفه ، والحرة لا تقطع أمرا إلا به ، فعظم بذلك شأنه ، وعلت كلمته ، وغزا تهامة مرارا (فتارة) له و (تارة) (١) عليه ، وهبط عدن مرارا ، ولم يبق باليمن من يساميه (٢) ، ثم قال للحرة يوما. وهو في التعكر : انظري يا مولاتنا إلى ما كان في هذا الحصن من ذخائرك ، فانزلي به إلى دار العز ، أو فاعزليه في بعض هذه القصور. وأما هذا الجحر ـ يعني التعكر ـ فاتركيه لي ، فلا طاعة لك عليّ فيه بعد اليوم. فقالت له (٣) : لو لم تقل هذا القول ما أخوجتك إليه (٤) ، الحصن حصنك ، وأنت رجل البيت ، ولا حرج عليك مني ، فيما عاد لسمو قدرك ، وعلو أمرك. فخجل منها وأطرق ، ونزلت الحرة الملكة إلى ذي جبلة ، ولم تغير من الأحوال شيئا ، فكان ينزل إليها ثم يترضاها في طلوع الحصن كعادتها ، فلا تفعل.
وهي مع (٥) ذلك تواصل بره بما يحسن عنده موقعه ، من الجواري المغاني ، والكساوي ، والطيب ، والعبيد ، والأستاذين وغير ذلك. ومن لامها فيه ، وحذرها منه لم تسمع كلامه. وله في نصرتها والذب عن أعمال دولتها مواطن حميدة ، منها : أنه حارب الداعي سبأ بن أحمد ، حين خطب الحرة فلم تفعل ، فسار إلى سبأ في جيوش عديدة ، وحارب علي بن سبأ صاحب
__________________
(١) الزيادة من خ.
(٢) يماثله ويجاريه.
(٣) في الأصل : قالت.
(٤) في الأصل : ما أخرجتك ، في خ : أحوجتك.
(٥) في الأصل : في والتصحيح من خ.