ذلك فيه جرحا ، ويرى بعضهم ذلك لا يجرحه ، لقلة الخطأ ووجود الضبط فى الجملة ، إلى غير ذلك من الوجوه التى حصل بسببها الخلاف فى الجرح ، وليس منها وجه فيه ما يدل على اتحاد زمن ذلك ، من قائل واحد فى راو ، إنما ذلك لاختلاف الرأى فى حال الراوى. والله أعلم.
ويمكن تأويل ما فى هذه الحكاية من ثناء ابن عبد السلام على ابن عربى ـ إن صح ثناؤه عليه ـ بأن يكون بين طعن ابن عبد السلام وثنائه عليه ، زمن يصلح فيه حال ابن عربى ، وليس فى مثل ذلك تعارض.
وما ذكر فى الحكاية من ثناء ابن عبد السلام على ابن عربى ، على تقدير صحته. منسوخ بما ذكره ابن دقيق العيد عن ابن عبد السلام فى ذمه لابن عربى.
فإن ابن دقيق العيد لم يسمع ذلك من ابن عبد السلام إلا بمصر ، بعد موت ابن عربى بسنين ، لأن ابن دقيق العيد ، ولد فى شعبان سنة خمس وعشرين وستمائة ، ونشأ ببلدة قوص ، واشتغل بها فى مذهب الشافعى وغيره من العلوم ، على ابن عبد السلام ، فبلوغه واشتغاله بالعلم فى بلده ، ثم قدومه إلى القاهرة ، لا يكون إلا بعد سنة أربعين وستمائة ، وابن عربى مات فى ربيع الآخر ، سنة ثمان وثلاثين وستمائة بدمشق ، وثناء ابن عبد السلام على ابن عربى المذكور ، كان فى حياة ابن عربى ، بدليل ما فيها ، من أنه أراه لمن يسأله عن القطب أو الولى.
وفى السنة التى مات فيها ابن عربى ، أو فى التى بعدها ، كان خروج ابن عبد السلام من دمشق ، لتعب ناله من صاحبها ، الصالح إسماعيل بن العادل أبى بكر بن أيوب ؛ لأنه سلم قلعة الشقيف (٤) للفرنج ، فأنكر ذلك عليه ابن عبد السلام ، فعزل ابن عبد السلام عن خطابة دمشق وسجنه ، ثم أطلقه ، وتوجه من دمشق إلى الكرك (٥) ، فتلقاه صاحب الكرك ، الناصر داود بن المعظم عيسى ، وسأله أن يقيم عنده فلم يفعل ، واعتذر بأنها لا تسع نشر علمه ، فقصد مصر ، فتلقاه صاحبها الصالح نجم الدين أيوب
__________________
(٤) قلعة الشقيف : قلعة حصينة فى كهف من الجبل قرب بانياس من أرض دمشق. انظر : معجم البلدان (الشقيف).
(٥) الكرك : هو من أعظم حصون النصارى معترض فى طريق الحجاز وهو من القدس على مسافة يوم أو أقل ، وأهله يقطعون على المسلمين الطريق فى البر وهو حصن ومعقل مشهور بناحية الشام. انظر : الروض المعطار فى خبر الأقطار ٢٠٢ ، ٢٠٣ ، ٤٩٢ ، ٤٩٣ ، معجم البلدان (الكرك).