ذكر وفاته : لما سارت الركبان بجوده ، وعم بمعروفه أهل الدنيا ، حسده أقوام ، فكذبوا عليه عند قطب الدين ، وقالوا : إنه يأخذ أموالك فيتصدق بها ، وما كان قطب الدين يقدر على قبضه ، لما كان بينه وبين زين الدين من المصافاة ، فوضع من أغرى بينه وبين زين الدين ، فتغير عليه ، فقبض عليه قطب الدين ، واعتقله فى قلعة الموصل فقال ابن المعلم الشاعر (٢) :
إن يعزلوك لمعروف سمحت به |
|
على ذوى الأرض ذات العرض والطول |
فأنت يا واحد الدنيا وسيدها |
|
بذلك الجود فيها غير معزول |
ثم ندم زين الدين ، على موافقته لقطب الدين على قبضه ؛ لأن خواص قطب الدين ، الذين كانت أيديهم مقبوضة عن التصرف ، لما قبض جمال الدين ، انبسطوا فى الأمر والنهى على خلاف غرض زين الدين. وأقام فى الحبس سنة ، ثم توفى.
وحكى أبو القاسم الصوفى ـ وكان صاحبه ـ قال : قال لى جمال الدين : كنت أخشى أن أنقل من الدست إلى القبر ، فلو جاء الموت الآن ما كرهته ، ثم قال لى : يا أبا القاسم ، إذا جاء طائر أبيض إلى الدار فعرفنى. فقلت فى نفسى : قد اختلط الرجل.
فلما كان من الغد ، سقط طائر أبيض لم أر مثله ، فعرفته ، فاستبشر وقال : جاء الحق.
ثم قال : بينى وبين أسد الدين شيركوه عهد : من مات منا قبل صاحبه حمله إلى المدينة ، وعملا قبرين ـ فاذهب إلى أسد الدين وذكره. وأقبل على ذكر الله وتشهد حتى مات. وطار الطائر ، ودفن فى تابوت بالموصل وذلك فى رمضان.
ومضى أبو القاسم إلى أسد الدين ، فأخبره ، فقال : صدق. وأعطاه مالا صالحا يحمله به ، ويقرئ بين يدى تابوته عند النزول وعند الرحيل ، وأن ينادى بالصلاة عليه فى كل بلد.
فخرجوا بتابوته على هذه الهيئة ، فقدموا به بغداد ، ونزلوا به الشونيزية ، ولم يبق ببغداد أحد إلا خرج ، وخصوصا من كان له إليه إحسان. فصلوا عليه وبكوا وترحموا.
ثم خرجوا به إلى الحلة والكوفة ، وزاروا به المشهدين. فقام بعض العلويين بالكوفة على تل عال. فلما مر بجنازته رفع صوته وقال :
سرى نعشه فوق الرقاب وطال ما |
|
سرى بره فى العالمين ونائله (٣) |
__________________
(٢) انظر : (مرآة الزمان حوادث سنة ٥٥٩).
(٣) فى وفيات الأعيان (٥ / ١٤٦) :
سرى نعشه فوق الرقاب وطالما |
|
سرى جوده فوق الركاب ونائله |