٤٣١ ـ محمد بن محمد الجديدى المالكى ، الشيخ الصالح أبو عبد الله القيروانى :
كذا ذكره صاحبنا أبو الطيب بن أبى الزين القيروانى. وقال فيما قرأت بخطه وحدثنى به : ولد بالقيروان (١) ، ونشأ بها ، وتفقه على الفقيه القاضى أبى عبد الله محمد بن محمد ابن عبد خليل بن فيراز المرادى ، وحضرت مجلس قراءته عليه لصحيح.
وكان مشتغلا بنفع خلق الله ، له كرامات باهرة ، وأحوال سنية ، ابتنى زاوية بالقيروان ، واجتمع عليه خلق كثير من أهل الخير ، وانصرفت الأوجه إليه ، وعظم شأنه ، وانتفع عليه خلق كثير ، وسعى فى مصالح العامة ، ثم كثر عليه التعب من كلف الناس. فسافر إلى الحج ، فحج وأقام بمكة.
وكان سفره من القيروان ، فى عام اثنتين وثمانين وسبعمائة ، فأقام بها على اجتهاد وعبادة، وحضور لمجلس العلم ، إلى أن توفى بها فى شهور سنة سبع وثمانين وسبعمائة ، وعمره قريب الستين.
أخبرنى غير واحد ممن أثق بدينه من أهل القيروان ، عن أحمد بن عبد السلام بن هيت : أنه كان عنده ليلة ، فتذاكروا ما القيروان فيه من قلة المطر والقحط.
قال : فقال لى : يا أحمد ، بعنى المطر أو أبيعك؟.
قال : فبهت ، فأشار إلى خادمه أن أشترى منه. فقلت له : نعم. قال : بكذا وكذا. قلت : نعم ، وغلب عليه النوم. فخرجت من عنده ، والسماء صحو والقمر منير. فما بعدت عن بيت الشيخ ، حتى غاب القمر ، وجاءت السماء بمطر كأفواه القرب ، تلك الليلة ، حتى خشيت سقوط البيت من كثرة النوء.
فلما أصبحت أخذت فى شراء ما اشترط علىّ الشيخ ، فجهزت طعامان وأردت أن أمضى ، فخرجت من الباب ، وإذا به ينادى : يا أحمد ، لا تتكلم على بشىء ، لئلا يظهر لك منى قطيعة أبدية. فقلت له : يا سيدى ، الذى اشترطت تجهز ، فقال : ادع فلانا وفلانا وأطعمهم ، فإنهم فقراء ، فدعوتهم ولم يحضر الشيخ معهم. وسألت أحمد بن عبد السلام عن هذه الحكاية ، بعد وفاة الشيخ بمدة ، فاعترف لى بذلك.
__________________
٤٣١ ـ (١) القيروان : قال الأزهرى : القيروان معرب وهو بالفارسية كاروان ، وقد تكلمت به العرب قديما ، والقيروان فى الإقليم الثالث ، طولها إحدى وثلاثون درجة ، وعرضها ثلاثون درجة وأربعون دقيقة ، وهذه مدينة عظيمة بإفريقية غبرت دهرا. انظر معجم البلدان (قيروان).