النبوة. وحجة الوداع ، التي لم يحج بعد الهجرة غيرها ، ونزلت عليه فيها بعرفة (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) [المائدة : ٣] وخطب النبي صلىاللهعليهوسلم الناس فيها وأوصاهم وودعهم ، وقال «لعلكم لا تروني بعد عامي هذا» ووقف معه صلىاللهعليهوسلم فيها مائة وعشرون ألفا.
وفي الحادية عشر : كانت وفاته صلىاللهعليهوسلم بعد شكواه أياما ، شهيدا حميدا سعيدا في يوم الاثنين حين اشتد الضحى لليلتين مضتا من ربيع الأول عن ثلاث وستين سنة ، وعظم الخطب ، ودهش جماعة من الصحابة ، ولم يكن فيهم أثبت من أبي بكر الصديق ، والعباس ، وخطب الصديق الناس تاليا قوله تعالى (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) [الزمر : ٣٠] فثابت قلوبهم ، وسجي صلىاللهعليهوسلم ببرد وحبرة وجاءت التعزية ، يسمعون الصوت ولا يرون الشخص «السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته ، كل نفس ذائقة الموت ، وإنما توفون أجوركم يوم القيامة ، إن في الله عزاء عن كل مصيبة ، وخلفا من كل هالك ، ودركا من كل ما فات ، فبالله فثقوا ، وإياه فارجوا ، فإن المصاب من حرم الثواب ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».
وغسله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ علي رضياللهعنه في قميصه الذي مات فيه ، من بئر بقباء ، يقال لها : الغرس ، كان صلىاللهعليهوسلم يشرب منها ، بوصية منه ، وكانت على يده خرقة يغسله بها من تحت القميص ، والعباس وابناه : الفضل وقثم يقبلونه مع علي ، وأسامة وشقران مولياه صلىاللهعليهوسلم يصبان الماء. وكفّن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ، ليس فيها قميص ولا عمامة ، أدرج فيها إدراجا ، وصلى عليه المسلمون أفرادا ، لم يؤمهم أحد.
ودفن في منزله الذي توفي فيه ـ بيت عائشة ـ وألحد له في جانب قبره ، ودخل قبره ، الأربعة الذين غسلوه ، ثم هيل عليه التراب صلىاللهعليهوسلم.
وفي الكثير مما سبق في هذا الفصل أو أكثره اختلاف ، مشيت على ما صحح مع الاختلاف بين المصححين أيضا حسبما يعلم من المبسوطات.
واشترك الأنام في العزاء به ، فلم يصابوا بمصيبة أعظم من فقده صلىاللهعليهوسلم. فإنه أشفق عليهم من أنفسهم ، وأرفق بهم في مخوفهم وملبسهم ، وأحرص على هدايتهم ، وأنص ببيان المقتضى لسعادتهم ابتعثه الله سبحانه رحمة لهم ، وقدمه للشفاعة للمخطىء المتلوث منهم ، ففرج به عنهم الكروب ، وفرح بالانتساب إليه القلوب ، وأتحف المتوسل به بكل مطلوب ، وخفف بذلك عظيم الشدائد والخطوب ، فله الفضل في الإسعاد بالانتماء إليه ، إذ لا حول ولا قوة إلا بالتوكل عليه. ولقد كان صلىاللهعليهوسلم كامل الأوصاف ، شامل الأفضال والإنصاف فخلقه سليم ، وخلقه عظيم ، أحسن الناس خلقا وخلقا ، وأبين عند الاضطراب والإلباس ، فضلا