عن الإيناس ، لفظا ومنطقا ، ليس بالطويل ولا بالقصير ، بل هو في العدل والاعتدال ، لا شبيه له ولا نظير. بعيد ما بين المنكبين ، شديد البذل ، فلا يدخر الفاني ، ولا يقبض عليه باليدين ، يجيب الدعوة ويقبل الهدية وإن قلت. ولا يخيب العبد والأمة والمسكين. فيما التمس منه من النوازل التي أعلت ، بل يجالس الفقراء ويؤاكلهم ، ويؤانس الغرباء وبالجميل يعاملهم ، يتفقد من غاب من أصحابه ، ويتردد إليهم بالعيادة حتى لمن لم يكن من أتباعه وأحبابه ، للترجي لهدايته والتوخي للاقتداء به. في مزيد تواضعه مع سيادته ، يخصف لتواضعه النعل ، وينصف من نفسه للرغبة في أوفر العدل ، ويرقع الثوب ويخيطه ويقلبه ، ويرفع معه على دابته المملوك ، ويلاطف الصغير ، بل والسفيه ، بحيث يلين لخطاب لمن يصفه بقوله «بئس العشيرة» ويتحمل ما يتعلق بخاصة نفسه ، إلا أن تنتهك حرمات الله الصغيرة ، فضلا عن الكبيرة ، ولا يطوي عن أحد بشره ، بل يداعب ويمزح من غير انتهاء لما يكره ، مأمون في هذا السخط والرضا ، ميمون في المضيق والفضا.
(إلى غير هذا مما يحتمل مجلدات ، وتشمل عليه تصانيف متعددات).
وبالجملة : فقد جمع الله لنبيه صلىاللهعليهوسلم كمال الأخلاق ، ومحاسن الشيم والسياسة التامة ، المنتشر في الخافقين بها العلم ، وآتاه علم الأولين والآخرين ووافاه بما فيه النجاة في الآخرة لأتباعه ، ولو كانوا مثلي مقصرين.
قال البراء بن عازب «رأيته في حلة حمراء ، فلم أر شيئا قط أحسن منه» وقال أنس رضياللهعنه : «ما مسست ديباجا ولا حريرا ألين من كفه ، ولا شممت رائحة قط أطيب من رائحته» وكان أبو بكر رضياللهعنه إذا رآه يقول :
أمين مصطفى بالخير يدعو |
|
كضوء البدر زايله الظلام |
وعمر رضياللهعنه ينشد لغيره :
لو كنت من شيء سوى بشر |
|
كنت المضيء ليلة البدر |
وعمه أبو طالب :
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه |
|
ربيع اليتامى ، عصمة للأرامل |
تطيف به الملاك من آل هاشم |
|
فهم عنده في نعمة وفواضل |
وميزان حق لا يخيس شعيرة |
|
ووازن عدل وزنه غير عائل |
وكان له صلىاللهعليهوسلم من الأعمام والعمات : العباس وحمزة وعاتكة وأروى وأميمة وصفية وكلهم ممن أسلم : وأبو طالب عبد مناف وأبو لهب عبد العزي ، وأبو الطاهر الزبير وحجلة