وعرجت منها الملائكة والروح ، وضجت عرصاتها بالتقديس والتسبيح ، واشتملت تربتها على جسد سيد البشر ، وانتشر عنها من دين الله وسنة رسوله صلىاللهعليهوسلم ما انتشر ، مدارس آيات ومساجد وصلوات ، ومشاهد الفضائل والخيرات ، ومعاهد البراهين والمعجزات ، ومناسك الدين ، ومشاعر المسلمين ، ومواقف سيد المرسلين ومتبوأ خاتم النبيين ، حيث انفجرت النبوة ، وأين فاض عبابها ، ومواطن مهبط الرسالة ، وأول أرض مس جلد المصطفى ترابها : أن تعظم عرصاتها ، وتتنسم نفحاتها وتقبل ربوعها وجدرانها.
يا دار خير المرسلين ، ومن به |
|
هدى الأنام ، وخص بالآيات |
عندي لأجلك لوعة وصبابة |
|
وتشوق متوقد الجمرات |
وعلى عهدك إن ملأت محاجري |
|
من تكلم الجدران والعرصات |
لأعفرن مصون شيبي بينها |
|
من كثرة التقبيل والرشفات |
لو لا العوادي والأعادي زرتها |
|
أبدا ، ولو سحبا على الوجنات |
لكن سأهدي من حفيل تحيتي |
|
لقطين تلك الدار والحجرات |
أذكى من المسك المفتق نفحة |
|
تغشاه بالآصال والبكرات |
وتخصه بزواكي الصلوات |
|
ونوامي التسليم والبركات |
وأنشده غيره :
رفع الحجاب لنا فلاح ، لناظر |
|
قمر تقطع دونه الأوهام |
وإذا المطى بنا بلّغن محمدا |
|
فظهورهن على الرجال حرام |
قربنا من خير من وطىء الثرى |
|
فلنا عليها حرمة وذمام |
وهاجر صلىاللهعليهوسلم بأمر الله عزوجل إليها ، ونزل بقباء ، وأسس المسجد ، ثم ركب إلى المدينة ، ونزل بدار أبي أيوب ، (الكاتب : كما قدمت هذا كله في الفصل قبله)
ثم بنى المسجد النبوي باللبن ، وارتفاعه سبعة أذرع أو خمسة ، أقيم فيه سواري من جذوع النخل ، وسقف من جريده للاستظلال ، وكانت الأمطار تنزل عليهم ، فسئل أن يطين ، فقال «بل عريش كعريش موسى ، والأمر أقرب من ذلك» وكان إذا رفع يده بلغ سقفه ، فلم يزل على ذلك حتى توفي.
وكان مربعا ، طوله سبعون ذراعا في عرض ستين ، أو يزيد ، ثم زاد عليه لما ضاق على أهله ، فبلغ أقل من مائة ، وبين انتهائه وباب السلام الآن خمس بوايك ، حسبما علم أعلى الأسطوانة الخامسة من المنبر من صف الأساطين التي في قبلة المنبر ، بطراز متصل بالسقف ، منقوش فيه التصريح بأنها نهاية المسجد النبوي.