وبنى بيتا لعائشة ، وسوّره باللبن والجريد أيضا ، ثم لسائر أزواجه ، وكان بيت فاطمة ابنته إلى جانب بيت عائشة رضياللهعنهما.
ثم لم يزد الصديق في المسجد شيئا ، نعم أصلح ما نخر من سواريه بالجذوع أيضا ، وزاد فيه الفاروق لما كثر المسلمون ، وجعل أساطينه خشبا ثم زاد عثمان ـ بعد الاستشارة ـ زيادة كبيرة ، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصة ، وجعل أساطينه من حجارة منقوشة ، وسقفه بالساج ، ثم الوليد بن عبد الملك على يد عمر بن عبد العزيز عامله عليها ، ثم المهدي ، وكان قائما عليه : عبد الله بن عاصم بن عمر بن عبد العزيز ، حين أمر المهدي جعفر بن سليمان بالزيادة فيه ، ثم بعد موت عبد الله : بن موسى الحمصي ، وكذا المأمون إن صح ، والمتوكل على الله ، أبو الفضل جعفر ، حفيد هارون الرشيد ، فإنه أرسل بعض الصناع على عمارة الحرمين ، ولم يزل الخلفاء والملوك يلتفتون إليه ، ويميلون لما يعول المنفقين عليه من تجديد سقفه ودعائمه ، وترديد النظر في استقامة منبره وقوائمه.
فكان آخر من ألهمه الله فيه رشده ، ولم يبخل بما تحصل عنده الأشرف قايتباي ، قبل الحريق الثاني وبعده ، فله في الالتفات إليه ولأهله ، اليد البيضاء ، وللجهات التي يعود نفعها عليه ما سبق به القضاء. وإن ليم في بعضه مما لعله يغتفر في جنب فرضة ، ولم يتخلف غيره من ملوك الآفاق ، كالروم المتوجة لأهله بما فيه لهم به ارتفاق ، بحيث ميزوهم عن المكين ، وأجزوهم بما هو غني عن التعيين.
وكم فرق أبو جعفر المنصور من الأموال بالحرمين ، ما هو به في جنب عمله مشكور ، ثم ابنه هارون الرشيد ، ما يطول بذكره التعديل.
وكذا فرق المعز معد العبيدي ، لما حج ـ في الحرمين أموالا.
إلى غيرهم من الملوك والخلفاء ما يرجون النفع به ، ولو بالذكر حالا ومآلا ، بل حجت جميلة ابنة ناصر الدولة بن حمدان ، فأغنت أهل الحرمين بمزيد الإحسان ، وكذا بعث الحاكم ، صاحب مصر الرافضي ، لأهل الحرمين الكثير من النقد المعين.
وكم للنور محمود الشهيد مآثر ، لما منحه الله به من التسديد والتمهيد ، وللمعظم عيسى بن العادل صاحب دمشق : من الصدقة والبر لأهل الحرمين ، ما شارك به أولي السبق ، ثم الظاهر بيبرس الصالحي ، فأحسن وأتقن ، والمجاهد بن العادل كتبغاء المنصوري ، وجماعة من الأمراء وخوند ، ممن حصل بهم لأهل الحرمين الرفق الكثير الصوري ، وسلار نائب السلطنة الظاهرة ، فتصدق في الحرمين بصدقات وافرة ، ثم أرغون الدوادار ، فكان بذله في الحرمين عظيم المقدار ، وعمل الناصر محمد بن قلاوون ـ حين