قلبيا نبيل أفعال ، صارما ثبت الجنان ، رابط الجأش ، صادق اللقاء سرابا نقع أدادا ، وسميدعا أريحيا ، غمر الرداء نشيط النفس ، طليق اليدين ، خذم العطاء ، عالي الهمة ، رفيع الأعلام ، صحيح الإسلام ، متين الدين ، ذا حظ من الصلاة والصيام ، بذل الأمور بالأحمال ، حتى أجرى إلى مكة الماء الزلال ، فجرى سلسا له من الأبطح إلى المسفل ومال ، وأذهب عنهم العطش وأزال ، ولم يبق للماء غير أجرة النقال ، ومما يدل على علوّ همته ، وحقارة الدنيا في نظره : أنه لما فوض في أمر عين مكة ، وأنه يمكن إجراؤها من مسيرة يومين ، بادر في الحال إلى تجهيز المال ، ولم يصدر منه عن كمية ما يحتاج إليه سؤال ، وإنما أمرهم بالشروع ، ووعدهم بمواصلة الأموال ، إلى انتهاء الأعمال ، وأخبرني الثقة : أنه أقبل على من فاوض في ذلك ، وقال : ادخل الخزانة ، وخذ منها ما يكفي لإجزاء الماء من أجزاء المال ، ومن ذلك : أنه لما رجع في شأن المدرسة التي أمر بإنشائها بالمدينة الشريفة ، وأنهى إليه الحال ، وأن طينها محتمل أن يكون غير قابل لعمل الآجرة ، فقال : يحمل ذلك من بغداد على ظهور الجمال ، ولا يخفى أن بعض حمولة ذلك تبنى منه مدارس ، ولكن النظر إلى صعوبة ذلك سجية الأشحاء الطافس ، وله على المسلمين أياد ، منها : إيقاع الصلح بين السلطانين أبي سعيد ، والملك الناصر ، ولولاه لثارت فتن تقطعت منها الأواصر ، وتشققت منها الخواصر ، ومنها : ترحيل خربندا عن رحبة ملك ابن طوق ، وإخماد تلك الثائرة التي جل غمرها عن الطوق ، يحكى أنه لما نزل خربندا على الرحبة ، ونصب المجانيق ، رمى منجنيق قرا سنقر حجرا زعزع القلعة ، وشق منها برجا ، ولو رمى آخر لهدمها ـ وكان رحمهالله يطوف على العساكر ، ويشاهد المحاصرين ـ فلما رأى ذلك ، أحضر المنجنيقي ، وقال له : تريد أن أقطع يدك الساعة؟! وسبه وذمه بانزعاج وحنق ، وقال ـ وذلك في شهر رمضان ـ تحاصر المسلمين ، وترميمهم بحجارة المنجنيق؟ ولو أراد القاءان أن يقول لهؤلاء المغل الذين معه : ارموا على هذه القاعدة ترابا ، كل فارس مخلاة كانوا طموها ، وإنما يريد هو أن يأخذها بالأمان من غير سفك دم ، والله متى عدت لرمي حجر آخر سمرتك على سهم المنجنيق ، وكان ـ رحمهالله ـ ينزع النصل من النشاب ، ويكتب عليه : إياكم أن تذعنوا وتسلموا ، وطولوا روحكم ، فهؤلاء ما لهم ما يأكلونه ، وكان يحذرهم هكذا دائما بسهام يرميها إلى القلعة ، ثم اجتمع بالوزير ، وقال له : هذا القاءان ما يبالي ، ولا يقع عليه عتب ، وفي غد وبعده إذا تحدث الناس ايش يقولون؟ نزل خربندا على الرحبة ، وقاتل أهلها ، وسفك دماءهم ، وأهدرها في شهر رمضان؟ فيقول الناس : فما كان له نائب مسلم ، ولا وزير مسلم؟ وقرر معه أن يحدثا القاءان خربندا في ذلك ، ويحسنا له الرحيل عن الرحبة فدخلا إليه ، وقالا له : المصلحة أن تطلب كبار هؤلاء وقاضيهم ، ويطلبوا منك الأمان ، وتخلع عليهم ، ونرحل بحرمتنا ، فإن الطايق وقع في خيلنا ، وما للمغل ما تأكل خيولهم ، وإنما هم يأخذون قشور الشجر ينحتونها