وكان ذكوان بن صالح السمان المدني ، التابعي ـ أحد كبار علمائها ـ مؤذنا ، فربما أبطأ الإمام فيصلي هو بالناس ، فلا يكاد يجيزها من الرقة والبكاء.
وممن كان يقص بها من التابعين : سليمان أبو عبد الله الأعز ، وأبو حازم سلمة بن دينار الأعرج ، وأبو مودود عبد العزيز بن أبي سليمان القاص الواعظ المذكور.
وممن كان يكتب بها الوثائق ، ويقسم المواريث خارجة بن زيد ثابت ، وطلحة بن عبد الله بن عوف القاضي أيام يزيد بن معاوية ، كما تقدم.
إذا علم هذا ، فأول الأمراء من أشراف المدينة : حسين بن مهنا الأكبر بن داود بن أحمد بن القاسم بن أبي عبد الله عبيد الله ، نقيب المدينة ، بن أبي القاسم طاهر بن يحيى النسابة المؤرخ ، بن الحسين جعفر ، الملقب بحجة الله بن عبيد الله الأعرج بن الحسين الأصغر بن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الحسيني ، ثم ابنه مهنا الأعرج ، ثم ابناه الحسين ، والعز القاسم أبو فليتة ، واحدا بعد آخر.
وكان ثانيهما أول من عرف من أمراء هذا البيت ، كان أميرا بعد الستين وخمسمائة أيام الخليفة المستضيء بأمر الله بن المستنجد بالله العباسي ، والسلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب ، الذي كان زائد الحب فيه ، وله من الولد : هاشم ، لم يل ، نعم ولي بعده أكبر بنيه العز جماز ، جد الجمامزة ، ثم بعد موته ابنه قاسم ، فدام خمسا وعشرين سنة إلى أن قتله بنو لأم في سنة أربع وعشرين وستمائة ، فملك بعده ابن عمه أبو عيسى شيحة بن هاشم بن قاسم بن مهنا ، انتزاعا لها من الجمامزة ، ولم يتمكن الجمامزة من نزعها منه ، ولا من ذريته إلى الآن ، ودام شيحة في الإمرة طويلا ، وكان يستنيب في غيبته ابنه عيسى ، وقدر قتل شيحة وهو متوجه إلى العراق على يد بني لأم أيضا ، واستقل عيسى ، وأمه مريم ابنة جماز بن القاسم ، ثم في حياته أخوه أبو الحسين منيف سنة خمسين ، أو تسع وأربعين وستمائة ، وأمه فاطمة ابنة منيف الوحاحدية ، وفي أيامه كانت النار التي ظهرت بالمدينة ، فأقلع وأناب ، وأعتق جميع مماليكه ، وكذا تاب أهل المدينة ، فكشف الله كربهم ، ومات سنة سبع وخمسين.
ثم بعد موته : أخوهما العز أبو سند جماز باني الحصن ، الذي صار محلا للأمراء للتحصن به ، وأمه صبحا بنت فليتة بن حسين من آل كثير ، ثم انتزعها منه ابن أخيه أبو هاشم مالك ابن منيف سنة ست وستين وستمائة ثم تركها اختيارا لعمه جماز بن شيحة ، فلما كبر استقر ابنه أبو غانم منصور سنة سبعمائة ، أو اثنتين وسبعمائة ، وفي أيامه انتقل القضاء لأهل السنة ، ولاطفه المستقر ، وهو السراج عمر بن أحمد الدمنهوري ، كما سيجيء في ترجمته ، وبعد قتله : انتزعها في رمضان سنة خمس وعشرين وسبعمائة واستقر ابنه كبيش ، ثم بعد قتله أخوه طفيل.