كان ممن جمع بين العلم والعمل ، وذكره شيخنا في الدرر ، ولم ينسبه ، فقال : إبراهيم السلماني نزل المدينة ، أقام بها مدة يشتغل بالعلم ، وبه تخرج الكازروني ـ يعني : صفي الدين ـ وأخوه الفقيه عبد السلام ، وكانت له كتب نفيسة وقفها بالمسجد النبوي ، وذكره ابن فرحون ، ومات سنة خمس وخمسين وسبعمائة ، قلت : وقد عرض عليه العز عبد السلام بن محمد الكازروني ، المشار إليه في السنة قبلها ، وصنف في الرقائق والمواعظ جزءا ، وهو ممن أخذ عنه الشرف هبة الله بن البازري ، وحدث عنه في المدينة بشيء من كتابه «الدراية في اختصار الرعاية» بقراءة ابن سكر ، ووصف بالطبقة : بالإمام العالم العلامة القدوة الصالح العابد ، الزاهد الورع ، السالك الناسك ، بل وصفه الصفي الكازروني بشيخنا الإمام العالم العلامة ، عمدة النساك ، وقدوة السلاك ، إمام المحققين ، وقال ابن فرحون : إنه كان من المشايخ العلماء الورعين المتنسكين ، المبرزين في الخير ، أقام بالمدينة على أحسن طريقة ، لا يشبهه أحد في العزلة والانقطاع عن الناس ، عارف بزمانه ، حافظ للسانه ، مقبل على شأنه ، متحرز من إخوانه ، ملازم لأواخر المسجد ، يشتغل في مذهبه طول نهاره ، لا يدخل إلا وقت الوضوء ولا يأتيه أحد إلا من يتبرك به ويرتجيه ، انتفع به الطلبة ، وتخرج عليه جماعة ، فظهروا نجباء علماء ، اخترمتهم المنية شبابا ، منهم ابنا أحمد الشويكي ، وكانت أمهما ـ وهي صالحة ـ زوجا له ، ومنهم الصفي ابن الشيخ محمد الكازروني ، وكذا انتفع به أيضا : أخوه الفقيه عبد السلام أخو الصفي المذكور ، وعبد القادر الحجار وغيرهم ، وكانت له نية صالحة ينتفع بها من يشتغل عليه ، ويحسن ظنه فيه ، وكان ـ مع هذه العزلة العظيمة والانفراد عن الخليفة ـ يؤذى بأنواع من الكلام ، تصديقا للقائل :
ومن ذا الذي ينجو من الناس سالما |
|
وللناس قيل بالظنون وقال |
فكانوا يرون أنه يقول بالجهة ، ويشيعون عنه ذلك ، ولم أسمع منه ما يدل على ذلك ، وكان الصفي الكازروني ممن لا يخفى عليه حاله ، وهو كان يثني عليه كثيرا وينكر أن يكون له اعتقاد يخالف إمامه الشافعي ، وكان إذا بلغه ما يقال عنه لا يعاتب قائله ، ولا يتكلم في عرضه بشيء ، وكان لسان حاله ينشد :
دع الناس ما شاءوا يقولوا ، لأنني |
|
لأكثر ما يحكى علي حمول |
فما كل من أغضبته أنا معتب |
|
ولا كل ما يروى علي أقول |
وكانت له كتب جليلة في الفقه والأصول والحديث ، واللغة وغيرها ، وقف بعضها بالمدرسة الشهابية من المدينة ، وأكثرها بمكة ، وأعتق عبدا ورباه ، وأحسن إليه ، وقال المجد اللغوي : العالم ، الناسك الزاهد السالك ، عارف زمانه ، وفارس ميدانه ، وحافظ لسانه ، والمقبل على شأنه ، سلك في الانقطاع مسلكا حسنا ، وملك بترك الاجتماع ملكا حسنا ، لا