حمل قط كان أخف ولا أيسر منه ، إلى غير ذلك مما تشرفت بنقله عنه».
وأنه وقع حين ولدته ، وقرت عينها إليه بالانتماء ـ واضعا يديه بالأرض ، مشيرا بالسبابة ، كالمسبح بها إلى السماء. وليلة ميلاده ، انشق إيوان كسرى حتى سمع صوته ، وسقطت منه أربع عشرة شرفة ، وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ألف عام ، وغاضت بحيرة ساوة.
وأرضعته ثوبية التي أعتقها عمه أبو لهب حين بشّرته به ، قليلا ، وكانت تقول : ما رأيته يبكي جوعا ولا عطشا قط ، بل كان يغدو إذا أصبح فيشرب من ماء زمزم شربة ، وربما عرضنا عليه الغداء ، فيقول : «أنا شبعان».
ثم حليمة ابنة أبي ذؤيب السعدية ، وحملته معها لبني سعد بن بكر رهطها ، ورأت من يمنه وبركته وإنصافه وصلته ، ذهابا وإيابا ، وإقامته مناما ويقظة ، ما انتشر ، ثم رجعت به إلى أمه بعد شق جبريل عليهالسلام صدره الشريف وملئه حكمة وإيمانا وهو ابن خمس فأزيد ، تخوفا عليه فدام معها في كفالة جده ، ولم تلبث أن ماتت في رجوعها ـ وهو معها (صلىاللهعليهوسلم) ـ من المدينة ، إذ خرجت به وهو ابن ست سنين. وكانت معها أم أيمن ، بركة الحبشية ، مولاته صلىاللهعليهوسلم التي ورثها من أبيه ، وهي دايته وحاضنته معها ثم بعد موتها ، فحملته لجده فكفله حتى مات ودفن بالحجون ، والنبي صلىاللهعليهوسلم ابن ثمان سنين ، وفي غضون كفالته له أبطأ عليه مرة فجزع عليه وارتجز ، وهو طائف بالبيت المعظم بقوله :
يا رب رد راكبي محمدا |
|
رده رب واصطنع عندي يدا |
فلم يلبث أن جاء فاعتنقه وقال : يا بني لقد جزعت عليك جزعا لم أجزعه على شيء قط. والله لا أبعثنك في حاجة أبدا.
فكفله بعد موت جده بوصية منه ابنه ـ أبو طالب ـ وهو شقيق عبد الله ، فكان أيضا يحبه حبا شديدا ، لا يحب مثله أحدا من ولده بحيث لا ينام إلا إلى جانبه ، وكان يجلس على وسادته المختصة به ، ويتكىء ، بل ويستلقي عليها ، ويقال له ، ميسر ، ويقول : «ان ابن أخي هذا ليحسن من نفسه بنعيم» ويخصه دون بنيه بالطعام ، سيما وكان إذا أكل معهم شبعوا ، وإن لم يأكل معهم لم يشبعوا ، ولذا كان إذا أرادوا الأكل أخرهم حتى يجيء ، وإذا جاء فأكل معهم فضل من طعامهم ، فيقول له عمه «إنك لمبرك» وكانوا يصبحون عمشا رمصا ويصبح هو دهينا كحيلا. ونشأ صلىاللهعليهوسلم أعظم نشأة وأشرفها فشب يكلؤه الله تعالى ويحوطه ويحفظه من أقذار الجاهلية من كل عيب ، فلم يعظّم لها صنما قط ، ولم يحضر مشهدا من مشاهدهم ، مع