بلا التباس عثمان آغا بن درباس وهو من ذوي أرحامنا فأخذني إلى بيته فجعلت أبات في داره المعمورة ، وفي النهار أخلى لي حجرة من حجر الخان الذي هو تحت إجارته ، وفرشها وعين لي من يخدمني فيها. وهذا الخان على يسار الجسر (١) مشرف عليه ، والحجرة فوقانية لها شباك يطل على الجسر وعلى نينوى قرية سيدنا يونس رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وترى قبته الشريفة (٢) وكذا البر الشرقي ، فبقيت ضيفا عنده مدة إقامتي يزيد في إكرامي كل يوم جزاه الله عني خيرا.
واجتمعت بواليها الوزير المكرم ، والدستور المفخم ، مولانا حسين باشا عبد الجليل زاده (٣) ـ وفقه الله بالحسنى وزاده ـ فأكرمني وأعزني وبقيت معه من العصر إلى المغرب ، ونقلت له قصة مباحثتي مع العجم ، ونقل لي هو قصة حصار نادر شاه للمحروسة الموصل. (٤) ورأيت
__________________
(١) هو الجسر الوحيد للموصل في القرون المتأخرة ، وكان منصوبا على زوارق (جساريات) ، ويرجح أنه في الموضع الذي شيد فيه مروان بن محمد الأموي ، في أوائل القرن الثاني للهجرة ، أول جسر للمدينة. ينظر سعيد اليوه جي : جسر الموصل في مختلف العصور ، مجلة سومر ، المجلد ١٢ ، بغداد ١٩٥٦.
(٢) هي القبة التي أمر ببنائها جلال الدين إبراهيم الختني على قبر النبي يونس عليهالسلام سنة ٧٦٧ ه / ١٣٦٥ م ، بمناسبة تجديده للمشهد آنذاك ، ويقع هذا المشهد على تل عال عرف في العصور الإسلامية بتل التوبة ، وهو في الأصل الحصن الشرقي الذي بناه الملك الآشوري أدد نيراري الثالث ٨٠٥ ـ ٧٨٢ ق. م من حصون العاصمة الآشورية نينوى ، الديوه جي : جوامع الموصل ص ٧٤ ـ ٧٥.
(٣) هو والي الموصل الحاج حسين باشا بن إسماعيل باشا الجليلي ، ثاني من تولى الموصل من أسرته ، ولد سنة ١١٠٧ وقيل ١١٠٦ ه ، ووجهت له ولاية الموصل من رجب إلى شوال ١١٤٣ ه ، ثم تولاها ثماني مرات ، آخرها من سنة ١١٧١ إلى ١١٧٢ ، كما تولى أيضا ولايات عديدة في الدولة العثمانية ، ولقاء صاحب الرحلة به جرى في أثناء ولايته الخامسة الموصل من ١١٥٤ إلى ١١٦٠ ، وقد عرف بحسن تدبيره ، وشجاعته ، ورغبته في الإصلاح والعمران ، وحبه للعلم وتشجيعه للأدب إذ دافع عن الموصل مرتين حاصرها فيهما الإيرانيون ، الأولى سنة ١١٤٥ ه. والأخرى سنة ١١٥٦ وهي التي يشير إليها صاحب الرحلة هنا. وتوفي سنة ١١٧٢ وترجم له كثيرون من معاصريه ومدحه شعراء عصره.
(٤) جرى هذا الحصار سنة ١١٥٦ ه ، أي قبل عام واحد من زيارة المؤلف للموصل.