في دار الحكم تلا عظيما كله قلل (١) القنابر والأطواب التي رماهم بها ، (٢) فالحمد لله الذي ردّ كيده في نحره ، ومنح الإسلام منحة نصره.
واجتمعت في مجلسه بعلي أفندي (٣) مفتي الشافعية ـ قلّل الله في المسلمين (٤٣ أ) أمثالهم ـ ما أجهله وما أسخفه! ظنّ المسكين أن العلم والرياسة في التجنب عن أهل الفضل ، ولكنه معذور يخشى على نفسه الفضيحة ، فربما تعرض عويصة فيظهر جهله. فبقيت ، مدة إقامتي في دار عثمان آغا ، وهو وجاره بيت بيت (٤) فلم يأت لزيارتي ، ولا راعى قولهم القادم يزار. ومثله في الجهل مفتي الحنفية ، (٥) عصمنا الله تعالى عن الخصال الدنية ، واجتمعت بمجلسه أيضا بمفتي الحنفية السابق محمد أفندي ، وهو ليس ببعيد منهما.
وممن زارني من علمائها الكرام ، وفضلائها الفخام ، شيخنا المحقق الجليل ، والمدقق الذي
__________________
(١) جمع قلة ، الفارسية كولة وكلولة ، كرة صماء كانت تقذفها المدافع القديمة.
(٢) قدّر المعاصرون عدد ما ألقي على الموصل ، خلال الأيام الخمسة الأولى فقط من بدء الحصار ، بأربعين ألف أو خمسين ألف قنبلة مدفع ، ومائة ألف قذيفة هاون. كتابنا : الموصل في العهد العثماني ، ص ١٠٩ (النجف ١٩٧٥).
(٣) هو علي أفندي بن مصطفى الغلامي ، المتوفّى سنة ١١٩٢ ه ، ترجم له محمد أمين العمري بقوله «صاحب محاضرات ولطائف ومشاركة في العلوم والشعر ، وله الخبرة التامة في الفتاوى والمسائل الشافعية ، وتصدر للإفتاء بعد والده ، وعاشر ملوكنا (ولاتنا) وحظي عندهم ، فكان جليسهم ونديمهم ، وكان فيه تيه وصلف ونبوة ..» (مهل الأولياء ، ج ١ ص ٢٥٣ ، تحقيق سعيد الديوه جي ، الموصل ١٩٦٨). والمرادي : سلك الدرر ج ٣ ص ٢٥٨
(٤) يريد : بيت يجاور بيتا.
(٥) إن مفتي الحنفية في وقت زيارة السويدي للموصل هو السيد يحيى بن فخر الدين ، وهو أول من تولى الإفتاء من آل الفخري ، ووجهت إليه الفتوى سنة ١١٤٣ ه / ١٧٣٠ م ، وهي سنة تولي حسين باشا الجليل الموصل ، ووصفه محمد أمين العمري بقوله «كان عليما بالفتاوي خبيرا بدقائق رموزها وأسرارها ، ماهرا في علم التفسير» وتوفي سنة ١١٨٧ ه / ١٧٧٣ م. (منهل الأولياء ج ١ ص ٢٣٩ والمرادي : سلك الدرر ج ٤ ص ٢٣٣).