بلاد الإسلام مساكن وساكنا ، ودخلنا مدرسة الوزير واليها أحمد باشا حمّال أو غلي (١) ، وفيها جامع حسن البناء وبستان زاهية زاهرة ، [و] ما في المدرسة عيب سوى مدرسها. وشاهدنا العين المسماة بعين خليل الرحمن ، فإذا هي بحيرة ماء فيها سمك كثير ، يزعم أهل تلك الناحية أن هذه العين نبعت حين ألقي سيدنا إبراهيم الخليل في النار (٢). ورأيت تمثالين يزعمون أنهما على صورة المنجنيق الذي ألقي فيه (سيدنا) (٣) إبراهيم ـ على نبينا وعليه وعلى سائر الأنبياء الصلاة والسلام ـ والذي ذكره القاضي البيضاوي في التفسير (٤) وغيره : أن المكان الذي ألقي فيه سيدنا إبراهيم (٥٣ أ) كوثا بلدة في إقليم بابل والله تعالى أعلم.
وصلينا الجمعة في جامع المدرسة المذكورة ، واجتمعنا بخطيبه العالم الصالح الناسك محمد أفندي ، فأكرمنا غاية الإكرام ، واحترمنا نهاية الاحترام ، وجلس معنا متأدبا أدب التلميذ مع شيخه ، وسألنا الدعاء ، وفّقه الله لصالح الأعمال ، وسلك به أحسن الأحوال آمين.
وجاء إلى زيارتنا ونحن في المخيم عالم الرها وفريدها وفاضلها ووحيدها ، العلامة بالإجماع ، والفهامة بلا دفاع ، سيدي حسن أفندي المنصوري المعروف بحليم زاده ، المدرس بمدرسة كاتب العربية ، فجلس معنا متأدبا متواضعا ، والتمس منا أن ننقل له مذاكراتنا مع علماء العجم فنقلناها ، وهو مصغ متأدب غاية الأدب ، وسألنا الدعاء ، حفظه الله من كل بلاء. وثاني يوم زيارته لنا قصدنا زيارته في مدرسته فأكرمنا وأعزنا ، وجرت بيننا عبارة
__________________
(١) قائد عثماني ، تولى البصرة سنة ١١٤٦ ه / ١٧٣٣ م والرقة سنة ١١٤٨ ه / / ١٧٣٥ م وتوفي سنة ١١٥٨ ه / ١٧٤٤ م (محمد ثريا : سجل عثماني ج ١ ص ٢٤٩).
(٢) وصف الرحالة الهولندي راوولف الذي زار الرها (أورفة) سنة ١٥٧٣ م هذه البئر ، بأنها بئر فياضة ذات رغوة أكثر بياضا من بقية المياه الأخرى ، وماؤها عذب حلو المذاق (راوولف : رحلة المشرق ، ترجمة سليم طه التكريتي ، بغداد ١٩٨٧ ، ص ٢١٧) ومن الشائع أن موطن إبراهيم عليهالسلام هو مدينة أور في جنوبي العراق ، ومنها انتقل إلى حران ثم إلى فلسطين ، وليس في البلدانيات العربية إشارة إلى حديث البركة هذه.
(٣) كذا في ب وهو المناسب ، وفي أ(السيد).
(٤) أنوار التنزيل وأسرار التأويل ، المطبعة العثمانية ، ١٣٠٥ ه ، ص ٤٣٣.