وفيها من العلماء أساطين ، ومن الفضلاء سلاطين ، وفيها حفاظ لكتاب الله ومجودوه ، وفيها مدرسون (مقيمون لصرح العلم ومشيدوه) (١) (٥٥ ب) والغالب عليهم من الفنون فن الحديث والفقه الشافعي والتفسير والمعاني والبيان والنحو. ورغبتهم في العلوم العقلية قليلة إلّا أنهم يقرءونها (٢) تحصيلا للكمالات. ولأهلها قدرة على الكلام ، وفطنة وقادة لا غباوة فيهم في معاملاتهم ومحاوراتهم ، رضياللهعنهم وأرضاهم وحصن محلهم ومأواهم ، فلقد رأيت منهم من الإكرام ما لا أستطيع ضبط بعضه فضلا عن كله.
دخلت حلب المحروسة يوم الأربعاء السادس من جمادى الآخرة (٣) ، والمسافة كالتي قبلها ، ودخلنا من باب الفرج (٤) تفاؤلا بالفرج ، واستضفنا عند أخينا الحاج محمد بن الحاج هاشم البغدادي ، فإنه كان جارا لنا في بغداد ثم ارتحل إلى حلب واستوطنها ، فاستكرمنا وأحلّنا داره ، وخدمنا هو وأولاده خليل ومصطفى وأبدال ومحمود ، وفقهم الله تعالى بكل خلق ووصف محمود ، ولم يزل كرمه يتضاعف ويتزايد ، ونحن ضيفه ، مدة إقامتنا في حلب ، وصنع لي كسوة للشتاء وما أحتاج إليه في طريق الحج من لحاف وإبريق ومطارة وغير ذلك ، ومع هذا كله أمدّني بنقود غير قليلة ، جزاه الله عنا خير جزائه ، وأسبل عليه ستره (الجميل ، وصانه من بلائه ، وأسبغ) (٥) عليه نعمه ، ودفع عنه نقمه آمين (١٥٦ أ).
وثاني يوم الدخول دعاني الكرماء الأمجاد ، والنجباء الأسياد ، ذوو الشهامة السامية ، والفخامة الشامخة النامية ، نجوم فلك السيادة ، وأقطار السعادة ، حضرات علي آغا وخليل أفندي وصالح آغا وعمر آغا وسعيد آغا وإبراهيم آغا أولاد المرحوم المبرور الحاج حسين
__________________
(١) مطموسة في أ.
(٢) في ب (يقرؤها).
(٣) الموافق ١٧ تموز (يوليو) ١٧٤٤ م.
(٤) باب الفرج يلي باب الفراديس ، في غربي حلب ، ينظر محمد كامل الغزي : نهر الذهب في تاريخ حلب ج ١ ص ٩.
(٥) مطموسة في أ.