من غير هذا الكتاب ، فقلت : يا شيخ إن العلم أمانة ، وإنك ادّعيت أنك لا تحفظها إلّا من هذا الكتاب ، فسكت طويلا ثم قال : جزاك الله خيرا ، وعيناه تدمعان. قال صلىاللهعليهوسلم : العلماء أمناء الله فانظروا عمّن تأخذون دينكم ، أو كما قال. وأنا والله لا أحفظها إلّا من هذا الكتاب ، لكن الأمر التبس عليّ فأنا مخطئ في حفظي! فبقي مدة كلما جرت مسألة يقول : جزاك الله خيرا ، العلم أمانة ، ثم يتكلّم بالمسألة.
حضرت درسه في المشكاة في الجامع الكبير (١) ، قبالة ضريح السيد زكريا (٢) ، على نبينا وعليه وعلى سائر الأنبياء أفضل الصلاة والسلام ، فبقي أينما جلس يقول : حضر درسنا الشيخ البغدادي ، فانقطع نفسي ، وتلجلج لساني من هيبته ، أو كما قال ، ولم يزل ـ حفظه الله ـ يسألني عمّا أشكل عليه طالبا الاستفادة. وبالجملة هو عالم عامل ، والتمس مني أولا أن أجيزه بصلاة الشيخ عبد السلام بن بشيش (٣) (٧٤ ب) فأجزته بها ، واستجزت بها أيضا فأجازني ، وسنده أعلى من سندي بواحد ، والتمس مني ثانيا أن أجيزه بجميع مروياتي فأجزته بما يجوز لي وعني روايته ، واستجزته أيضا لأولادي الصلبيين والقلبيين فأجازنا بجميع مروياته ، منها ما تضمنه ثبت الشيخ أحمد النخلي ، وثبت الشيخ عبد الله بن سالم البصري ، وبما رواه عن جميع مشايخه. وأجازني بمثال نعل المصطفى ـ صلى الله عليه
__________________
(١) يريد الجامع الأموي في حلب ، وهو أوسع جوامعها وأقدمها ، قيل إنه من إنشاء سليمان بن عبد الملك ، وقيل إنه من إنشاء أخيه الوليد ، وعلى أية حال فإن أغلب عمارته ترقى إلى عهد الدولة المملوكية في الشام ، الغزي : نهر الذهب ج ٢ ص ٢٣٥ وطلس : الآثار الإسلامية والتاريخية في حلب ص ٤٣
(٢) يريد الضريح الكائن في الجامع الأموي المنسوب إلى يحيى بن زكريا عليهالسلام. ذكر ابن بطلان أنه لما احترق المقام في حادثة التتر سنة ٦٥٩ نقل رأس يحيى من القلعة إلى المسجد الجامع بحلب ودفن غربي المنبر. ويفهم مما ذكره ابن الوردي في تاريخه أن الرأس المذكور هو لزكريا عليهالسلام لا يحيى وينظر الغزي : نهر الذهب ج ٢ ص ٦٤٦).
(٣) كذا في النسختين ، دون شكل ، ونقل كحالة من كتاب له اسمه (شجرة الشرف) فرغ من تأليفه سنة ١١٣٦ ه ، محفوظ في دار الكتب المصرية ، اسم أبيه (مشيش) بالميم في أوله (معجم المؤلفين ج ٥ ص ٢٣٢)