ومولانا العالم المحدث الثقة الثبت ، تذكرة ابن الصلاح رواية ، وخليفة ابن الأثير دراية ، وجامع الفنون العديدة ، وحائز العلوم المفيدة ، الشيخ عبد الكريم ابن الشيخ أحمد الشراباتي الحلبي البصير ، عمي ـ فيما أظن ـ عام سبعة وثلاثين ومائة وألف ، له فكرة وقادة ، وفطنة نقادة واشتغال تام ، لا يفتر عن الإفادة والاستفادة يوما من الأيام أمين على العلم بحيث إذا ظهر خطؤه ولو بعد شدة النزاع رجع وأذعن وأقر بأنه كان مخطئا ، لا تأخذه في الحق لومة لائم ، ولا تعتريه فيما إذا أخطأ ندامة نادم ، لين (٧٣ ب) العريكة ، صافي السريرة والطوية ، مخلص العزم في أعماله ، حسن النية. عاشرني معاشرة ارتفعت فيما بيننا الحشمة (١) ، ومكنني من جميع كتبه ، بل من جميع ما في بيته. وأول ما وقع عليه نظري وصافحني قال : اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وأنا قلت حين المصافحة : اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وسلم ، اللهم اغفر لي ولأخي هذا ، وذلك لأنه المأمور به وقت المصافحة كما جاء في ذلك أحاديث كثيرة ، وأخبار معروفة شهيرة ، وكأنه استشعر مني الإنكار عليه ، فقال : روينا عن الأذكار النووية (٢) أنه ، صلىاللهعليهوسلم ، ما أخذ بيد رجل وفارقه إلا قال : اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وكان ـ حفظه الله تعالى ـ لا يخاطبني إلا بيا شيخنا. وكان يقول : والله علمنا الشيخ البغدادي كيفية البحث والمناظرة ، واستفدنا منه شيئا كثيرا. وكان سخي النفس جدا ، دعاني مرارا عديدة ، وأول ما وقع نظري عليه أحبه قلبي محبة كثيرة ، فقلت له (٧٤ أ) : يا شيخ عبد الكريم! إني أحبك لله ، فقال : أحبك الذي أحببتني لأجله.
نقل مرة مسألة عن كتاب فلم توجد فيه وإنما الموجود عكس ما قال ، فقال : إني أحفظها
__________________
(١) الحشمة هنا : الانقباض.
(٢) يعني كتاب (حلية الأبرار وشعار الأخيار في تلخيص الدعوات والأذكار) لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي المتوفي سنة ٦٧٦ ه.