«قصائد رائقة ، ومدائح فائقة ، دلائل الإعجاز تلوح من تراكيبها ، ومخايل الإيجاز تضوع من أساليبها ، أسرار البلاغة في تلخيص مبانيها ، ومفتاح الفصاحة في إيضاح معانيها ...» فاعتقد أن صاحبها «من الفضلاء المتقدمين». ولما حدثه بعض الثقات «ممن جاب البلاد» أن بغداد «مشحونة بالجهابذة النحارير ، والفضلاء المشاهير» استنكر هذا القول ، لأنه سبق أن أقام بها ، وكان العلم فيها «اسما بلا مسمى» فقيل له إنّه «نبغ فيها جناب العالم النحرير ، عديم المثيل والنظير ، إن ذكر العلماء فله القدح المعلّى ، أو عد الفضلاء كان التاج المحلّى ، عضد الملة المحمدية ، وناصر الشريعة الأحمدية ، آراؤه صائبة ، وأفكاره ثاقبة» يعني بذلك عبد الله السويدي ، وقال إنه فرح حين تحقق صحة رواية من أخبره ، وانطلق «قاصدا بذلك كعبة الآمال ، يقطع الروابي والوهاد ، والأغوار والأنجاد» حتى وصل مدينة السلام ، ليأخذ على عالمها وليدرس على يديه ، فإذا به «فوق ما يصفه الواصفون بكثير».
وبعد عمر ناهز السبعين سنة قمرية ، توفي الشيخ الجليل عبد الله السويدي في ضحوة يوم السبت الحادي عشر من شوال سنة ١١٧٤ ه (١٧ مايس ـ مايو ١٧٦٠ م) ، فدفن بإجلال يليق بحياته الثرة ، وعطائه الجم ، ومنزلته الرفيعة ، في جوار مسجد الشيخ الزاهد ، العارف بالله ، معروف الكرخي ، في مقبرته الكائنة بالجانب الغربي من بغداد. وقد ترك وراءه أربعة من كرام البنين ، أحسن تربيتهم وتعليمهم ، فضلا عما أورثهم من ذكاء فطري ونباهة ، فبرز جميعهم في مجالات العلم والمعرفة ، ولم تكن شهرة بعضهم بأقل من شهرة أبيهم ، فعبد الرحمن ، أبو الخير (المتوفّى سنة ١٢٠٠ ه / ١٧٨٦ م) كان مؤرخا فذا وفقيها وأديبا وشاعرا بارزا ، بلغت مؤلفاته نحو اثنين وعشرين كتابا ورسالة ، (١) ومحمد سعيد ، أبو السعود (المتوفّى سنة ١٢٢٣ ه / ١٨٠٨ م) كان فقيها شاعرا أديبا ، له مؤلفات ومحاورات شعرية ، ونال إحدى إجازاته من العالم اللغوي البارع ، الشيخ محمد مرتضى بن محمد
__________________
(١) ترجمنا له بتفصيل في مقدمة كتابه (تاريخ حوادث بغداد والبصرة) الذي حققناه ونشرناه ، بغداد ط ١ : ١٩٧٨ وط ٢ : ١٩٨٧ ص ١٦ ـ ٣٦