ومن هذه المرحلة أخذت ترابا وضعته في خرقة لأجل التيمم في المواضع التي لا تراب فيها وإن كان معنا ماء ، لأن الوضوء حرام إذا كان في القافلة من يظن ، أو يتوهم ، أنه محتاج إلى شرب الماء لعطش ، ولو كان دابة أو كلبا محرما (١) حالا أو مالا إلى الوصول إلى عين أو غيرها ، ومما من الله به عليّ أني كنت أتيمم مع وجود الماء عندي ، لأن القافلة لا تخلو عن عطشان مع كثرة المشاة الذين لا زاد لهم ولا ماء. وممن تابعني على ذلك سيدي (١٦٦ ب) السيد طالب البصري فكان ـ حفظه الله ـ يتيمم ويأمر به ، وأكثر الفقهاء الجهلة يتوضؤون بالماء مع الإسباغ ، والتثليث مراعاة السنن ظنا منهم أن ذلك عبادة مع كثرة العطشى ، وقد قال الإمام النووي في (الإيضاح) (٢) : إن هذا الوضوء حرام ، ثم قال : وينبغي إشاعة ذلك في ركب الحاج ، وتبعه على ذلك الشيخ ابن حجر في مختصر الإيضاح ، وشنع (٣) أيضا الإمام النووي على من يفعل ذلك ، ونسبه إلى الجهل ، أعاذنا الله من ذلك. فلم أزل على هذه الحالة وآمر بها الشافعية فأنكر عليّ مفتي الموصل ، وقال : كيف تتيمم ومعك ماء؟ فأجبته بأن الإمام النووي حرّم الوضوء في مثل هذه الحالة وأخرجت له الإيضاح ، وهو مصر على إنكاره ، فقلت له : يا شيخ أنت حنفي إنما تعرف مذهبك ونحن أعرف منك بمذهبنا ، وهذا مجدد مذهب الشافعي الإمام النووي صرح بذلك وتبعه العلامة المحقق الشهاب ابن حجر ، فلم يلتفت إلى ما قلت ، فأغضبني ، فقلت : يا شيخ! في ذكري أن الحصكفي (٤) شارح (التنوير) (٥) في فقه الحنفية [فإنه] صرح بعين ما ذكره النووي فالمسألة وفاقية ، فأصرّ على
__________________
(١) المحرم : المسالم.
(٢) هو كتاب (الإيضاح في المناسك) ليحيى بن شرف النووي المتوفّى سنة ٦٧٦ ه / ١٢٧٧ م.
(٣) كذا في ب ، وهو الصواب ، والذي في أ(شفع).
(٤) في النسختين : الحصفكي ، والمشهور ما أثبتناه نسبة إلى حصن كيفا من بلاد الجزيرة. وهو محمد بن علي بن محمد الحصكفي الحنفي علاء الدين ، من كبار فقهاء الحنفية ، توفي سنة ١٠٨٨ ه / ١٦٧٧ م. المحيي : خلاصة الأثر ج ٤ ص ٦٣.
(٥) هو كتاب (الدر المختار في شرح تنوير الأبصار) في فروع الحنفية.