فرقا مما رأيت من الجلالة والمهابة ، فكدت أتمزق ذعرا ، واعترتني الحيرة والدهشة حتى أني ذهلت عن نفسي ، فلم أشعر أني في أرض أو سماء ، فتلوت الزيارة المشهورة سرا ، والعين يتحادر (١) دمعها قطرا. فبينما أنا في تلك الحالة الصعبة فإذا وارد الغيب يقول : يا مسكين! أتدري ما هذه الرائحة الزكية التي عطر الكون شذاها وأعبق الوجود رياها؟ يا مسكين ، أتعرف هذه الأنوار التي أشرق بها الخافقان ، وممن هذا الأنس الذي دونه فراديس الجنان؟ يا مسكين ، أتدري عظم موقفك الذي وقفت فيه ، أو شعرت (٢) ـ ولا أظنك ـ بظواهره وخوافيه؟. يا مسكين ، هذا ستار حسرت دونه السماوات ، وخفضت ، بالإضافة إليه ، جميع المقامات. (١٧٧ ب) يا مسكين ، لو اشتري هذا المقام بالأرواح لكان المشتري رابحا أجل الأرباح ، وهيهات يناله من بذل روحه في الوصول إليه ، وكم من نفوس قطعت أسى وحزنا عليه ، يا مسكين ، أتدري ما أمامك ، وجلالة ما قدامك ، يا مسكين ، تجاهك بقعة لا يعدل طيب ترابها المسك الزكي ، ولا يداني شرفها السماوات والأرض ، بل والعرش والكرسي! يا مسكين ، هذا المقام تود أن تطوف فيه الأنبياء ، وتتمنى أن تخدمه ملائكة السماء. يا مسكين ، أتدري من حل هذه الروضة النضرة والبقعة الطيبة العطرة التي دونها الفراديس والنعيم ، وتتقاعس دونها جنة الخلد والتكريم. يا مسكين هذا حبيب الله ، هذا خليل الله ، هذا صفي الله ، هذا رحمة الله ، هذا حجة الله ، هذا صفوة الله ، هذا نعمة الله ، هذا خيرة الله ، هذا اشرف خلق الله واكرمهم على الله ، هذا سيد المرسلين ، هذا خاتم النبيين ، هذا رحمة للعالمين ، هذا قائد الغر المحجلين ، هذا نبي الأنبياء ، هذا سند الأصفياء ، هذا صاحب الحوض المورود ، هذا صاحب المقام المحمود ، هذا صاحب الشفاعة ، (١٧٨ أ) هذا صاحب الضراعة ، هذا شفيع الأنام ، هنا المظلل من حر الهجير بالغمام ، هذا البشير النذير ، هذا السراج المنير ، هذا هو العروة الوثقى ، هذا ذو الرتبة التي لا ترقى ، هذا نور الأنوار ، هذا المصطفى المختار ، هذا الفجر الساطع ، هذا المشفع الشافع ، هذا الذي لولاه لما برز العالم إلى
__________________
(١) يتحادر : ينزل.
(٢) في ب (وشعرت).