الوجود ، هذا أكرم الناس من الآباء والجدود ، هذا الذي تتشفع به الأنبياء الكرام ، هذا صاحب الشفاعة العظمى إذا اشتد الزحام ، هذا صاحب الوسيلة ، هذا صاحب الفضيلة ، هذا صاحب الدرجة الرفيعة ، هذا صاحب الرتبة المنيعة ، يا مسكين حسبك ما سردته وأنهيته إليك ، وإلّا فلو صرفت الأعمار وفنيت الأعصار لما استقصي العشر من صفاته ، ولا البعض من شمائله وكمالاته ، ويلك يا مسكين! إن طردت وأبعدت فقد خسرت وخبت ، فتبا لك تبا ، وبعدا لك وسحقا وسبا. ما نالك يا مسكين من هذه الأسفار إلا تكلف المشاق ، وركوب الأخطار ، وخسرت تجارتك ، وكسدت بضاعتك ، فربحك الكد والتعب ، ومحصولك المشقة والنصب «١٧٨ ب» ، وإن كنت مقبولا مرضيا فقد رقيت مقاما عليّا ، فلك الهناء والسعادة ، وبلوغ المنى والسيادة ، وعلوت أوج المعالي ، وزهرت أيامك والليالي ، ورجعت بحظ وافر وسعد دائم ضافي. هذا ما أملاه وارد الغيب على خاطري ، وانتقش في صحيفة سرائري ، وعيناي بالدموع تهملان ، وأنا باهت ذاهل حيران ، أذهبت نسمات اللطف من حضرة العطف فسعد جدي بعد تعكيسه ، ورفعت رأسي بعد تنكيسه ، وقلت بلسان قؤول ، وقلب عقول ، وجنان قوي ، ويقين سوي : يا رسول الله ، صلى الله عليك وسلم ، والله الذي أرسلك بالحق نبيا لتشفعن لي ولتشفعن بي يا رسول الله صلى الله عليك وسلم ، قد حدثني الثقات عنك إنك قلت : ربّ أشعث (١) (مدفوع بالأبواب) (٢) لو أقسم على الله لأبّره (٣) ، وها أنا ذلك الأشعث الأغبر ، يا رسول الله صلى الله عليك وسلم ، قد بلغني عنك أنك قلت ، وأنت الصادق المصدوق لا تنطق عن الهوى ، وإنما أنت وحي يوحى : من زار قبري وجبت له شفاعتي (٤). وها أنا قد زرت الكرم ، وأنت أجل من يرعى
__________________
(١) في النسختين زيادة (أغبر) وليست في أصل الحديث.
(٢) لا وجود لها في ب.
(٣) أخرجه مسلم عن أبي هريرة ، الصحيح ، كتاب البر والصلة ، الحديث ٤٧٥٤ وعنه أيضا ، كتاب الجنة ، الحديث ٥٠٩٤.
(٤) هذا الحديث خلا منه الصحيحان وسنن الترمذي والنسائي وأبي داود وابن ماجة وأحمد ومالك والدارمي.