ورجعنا على تلك المراحل عودا على بدء ، ودخلنا المدينة المنورة ضحى يوم الجمعة الثاني من محرم الحرام عام ثمانية وخمسين ومائة (١) وألف فجددنا العهود بالنبي صلىاللهعليهوسلم ، وأقمنا بها غير يومي الدخول يومين ، فوادعنا المصطفى وفي القلوب زفرات ولوعات ، وللعيون انسجام وعبرات. وخرجنا ضحى يوم الاثنين الخامس من الشهر المذكور.
ومما دفع الله عنا بفضله أن عيدا شيخ بني حرب السابق جمع لقتالنا جميع عشيرة حرب وحلفائها ، ووقف في بدر ينتظرنا ، وذلك أنه يطلب أن يكون شيخا على العشيرة منذ ثلاث سنوات ، وكل سنة يوعده (٢) أمير الحج ويخلف لعدم رضا شريف مكة على عيد ، ولا يريد المشيخة إلا لمنصور ، وهذا منصور أكثر العرب لا تطيعه ولا تهابه. فقبل وصولنا إلى بدر حصلت بين عيد وهزاع أحد مفسدي حرب منافرة (١٩٨ ب) ومشاجرة فأمال الأعراب عنه إلى منصور وبقي عيد وحده فهرب إلى الفرع وسلمنا الله (من كيده وكفى الله المؤمنين شر القتال) (٣).
[الفحلتين]
ولما وصلنا إلى مرحلة الفحلتين جاء الخبر إلى أمير الحاج بأن عشيرة بني صخر والشارة وغيرهم حاصروا الجردة في تبوك ومنعوها من المسير ، فحصل غمّ عظيم واضطراب ، وتيقنوا الهلاك ، واضطربت الآراء والأفكار ، فسلموا أمرهم إلى الله وفوضوه إليه إلى أن جئنا إلى بيار الغنم ، فجاء البشير بأن الجردة صباح غد توافي الحاج في العلى ، فحصل السرور والأفراح ، وزالت الهموم والأتراح ، وسبب خلاص الجردة أن أولئك الأشقياء حاصروها عشرة أيام ، فدفع أمير الجردة الوزير كوسي علي باشا والي صيدا دراهم كثيرة ليخلوا لهم الطريق ، فلم يقبلوا ، فنفد زادهم وقلت ذخيرتهم ، فطلبوا من الأمير ما دفعه أولا فلم يقبل ، وتفرقوا.
__________________
(١) الموافق ليوم ٣ شباط (فبراير) سنة ١٧٤٥ م.
(٢) كذا ، والصواب ، يعده :
(٣) مطموسة في أفأكملناها من ب.