معين. وقد وردت علينا مكاتيبكم السديدة ورقاعكم المفيدة ، فحصل لنا السرور ، وزال عنا ما نلقاه إذ في المثل المشهور : الكتب ثلثا الملاقاة ، فضممتها إلى صدري ، وجعلتها أمانا من خطوب دهري ، فكلما تشوقت نظرت منظومها ومنثورها ، وإذا زاد بي الوجد تصفحت سطورها (١) إلى آخر كتابه ، حفظه الله تعالى.
وجاءني من ولدي الصّلبي أبو الخير الشيخ عبد الرحمن كتاب صورته : أطال الله بقاء والدي الذي سطعت به أماكن الشام ، وأمدنا بحياة سيدي الذي به عرف الحلال والحرام ، ركن الأعلام ، بل علم الأعلام ، كل مجيد إليه استناده ، (١٩٧ ب) ذي الذهن الوقاد ، والفكر النقاد ، صاحب الرأي الصائب ، النجم الثاقب قطب تدور عليه رحى العلم ، وقمر يستضيء به أولو الفهم ، صاحب الفصاحة العربية وشمس الشريعة المضيئة ، زين الدين ، صاحب الخيرات ، إمام المسلمين ، سيدي أبي البركات ، لا زال في نعمة تغبطه عليها الأقارب ، رفعة يدرك بها الشهب الثواقب ، أدامه الله لنا ظلا مد الزمان ، وحفظه من بوائق الحدثان آمين. وبعد ، فالمملوك يقبل أرضا ترافعت على السماك ، وتقاعست دونها الأفلاك ، أرضا تؤمها الأفاضل ، ويحل بسوحها كل ماجد وفاضل ، أرضا تساق إليها يعملات الرجاء ، وتناخ بها مطي من قصد وجاء ، نسأل الله بحرمة مولانا أن يرزقنا رؤيتها عيانا آمين. ثم المملوك يبث شوقا شق الأحشاء ، وتمزقت لبرحائه الأمعاء شوقا أنشدنا : قفا نبك من ذكرى حبيب. وبه جرى دمعنا الغزير الصبيب شوقا لم نزل نتلظى بنيرانه ، حيث لم نعدم تراكم أشجانه شوقا عم الأهل والولد ، فأعدم من الكل القوى والجلد ، وأضنى من الجميع الجسد ، ولا سيما الفقير العاني ، (١٩٨ أ) الذي أضحى لهذه الخطوب يعاني ، والله شاهد على ما في القلوب وما هو مسطور مكتوب .. إلى آخر كتابه فإنه طويل اختصرته لما فيه من الملل.
وكتبت من مكة كتابا للأكرام الأمجد كتخدا باشا محمد ، وكتابا لأهلي ، تركت كتابتهما هنا من الملل الذي اعتراني من الغربة والكربة.
__________________
(١) في ب (صدورها).