معي علاقة تامة وخدمني كثيرا ، وبت عنده ليالي ، ولما أحس بسفري أخذته الدهشة والحيرة والبكاء ، جعله الله سعيدا ووفقه لما يحبه ويرضاه آمين ، فهو أوفى من الشيخ أبي الحسن العجلوني المذكور سابقا.
وأضافنا في بيته الشيخ العالم النحرير الحبر البحر الغزير ، الشيخ الجنيني ، وهو أفقه الحنفية في دمشق ، وبتنا في بيته ، وأعزنا كثيرا ، وانبسطنا وانشرحنا ـ جزاه الله خيرا ـ وأجزت ولديه النجيبين الشيخ عبد العزيز والشيخ سليمان ووعدتهما بكتابة صورة لإجازة ، هذا وقد حصل لي إكرام كثير وتوقير عظيم في دمشق حتى ليشار إليّ بالبنان ، وأسمع بعضهم يحدث الآخر ، يقول : هذا أعلم علماء الدنيا! فتأنست بهم وطاب لي المقام ، ومن عادتهم حسن الظن ، ومهما تكلم الإنسان أو أدعى (١) فضلا أو كرامة صدقوه ولا يعرفون الإنكار ولا يخطر في بالهم ، فغالب من يؤلمه رأسه أو عضو من أعضائه يقول : يا شيخ كبسني ، أي ضع يدك على المحل المؤلم.
وقد انفردت دمشق الشام بأشياء ، منها الجامع الأموي ، ومنه (٢٠٣ ب) كثرة المياه ، ومنها كثرة البساتين ، ومنها كثرة الملاح [ف] ألوانهم صافية ، ووجوههم حسنة ، وطباعهم لينة ، وقلوبهم صافية ، يمدحون علماءهم ويوقرونهم ، وقد تمنى كثير من طلبة العلم بقائي ، وأكثروا التأسف علي لما رأوا من تقريري وحلي لما أشكل عليهم ، يقولون : يا ليت تبقى هنا ولو شهرا حتى نستفيد. وهذه هي الطبقة الوسطى التي ذكرتها أولا ، كثر الله في المسلمين أمثالهم.
وقد صار لهذا الفقير شهرة في دمشق الشام عند الصغير والكبير ، والعالم والجاهل ، أكثر من شهرتي في بلادي ، يعتقدون أني أعلم علمائهم وأصلح صلحائهم ، وهذا من حسن ظنهم ، وإلا فلست بذاك (٢).
__________________
(١) في ب (ومهما ادعى الإنسان فضلا).
(٢) في ب (بذلك).