الجماعات. قال واصفا أهل ناحية قزل خان «ولهم نسل في بغداد في مشهد الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه يقال لهم القزلخانية ، والغالب عليهم الشقرة» ، وتطرّق أحيانا إلى تحديد العروق التي ينتمي إليها سكان بعض النواحي ، فقال عن سروج إن «حولها ضيعة تركمان» ، وأفاض في مواضع عديدة في وصف الأخلاق العامة لبعض المجتمعات ، فوصف سكان بعض القرى بأن «أهلها ليس لهم ملاءمة مع الغرباء ، وهم من الوحشة التي يستوحشها الغريب على جانب عظيم». وقال عن سكان مدينة حلب «أهلها في غاية الرقة واللطف ونهاية الشفقة والعطف» ، وعن قرية سرمين إن «أهلها ليسوا من أهل الأنس» ومثل هذه الأوصاف ، على إيجازها ، تدل على إحساس قوي لدى رحالتنا ب (مجتمعات) تلك المدن والقرى التي صادفها ، وليس بأفراد منها ، يأخذ عنهم الإجازات العلمية أو ينقل عنهم أخبارهم الأدبية ، كما كانت تنحصر مهمة الرحالين المحليين السابقين.
ولم يقف السويدي عند تسجيل السمات الظاهرة لبعض ما صادفه من مجتمعات زمانه ، وإنما حاول سبر مكنونات هذه المجتمعات ، بالنظر إلى ما تضمنه من فئات وشرائح مختلفة ، والملاحظات التي ساقها بشأن مجتمع دمشق تقف دليلا على عمق نظرته العامة ، ووعي ظاهر بالقوى الاجتماعية السائدة يومذاك ، فلقد لاحظ أن هذا المجتمع يتألف من ثلاث «مراتب» أو «طبقات» اجتماعية ، أعلاها ما يسميه ب «الطبقة العليا من أكابر وعلماء ومشايخ طريق» وأدناها «المرتبة السفلى من الينكجرية (الأنكشارية) ومن كان على طريقتهم من الأرذال الأنذال» أما المرتبة الوسطى فهم «أهل الحرف كالعطارين والبزازين والبقالين وبعض العلماء ومن ينحو نحوهم» وهو حينما يوجّه إلى الطبقة العليا انتقاداته القاسية «فراعنة كذابون مراؤون لا علم ولا عمل» فإنه يعلم أنه إنما ينتقد الطبقة التي طالما وقفت على قمة الهرم الاجتماعي للمدينة العربية ، والتي تتألف غالبا من القوى الإقطاعية التقليدية (أكابر) وحلفائها من العلماء الكبار وزعماء الطرق الصوفية (علماء ، مشايخ) ، ولكنه يحس الآن بأن هذه الطبقة أخذت تفقد مبررات احتفاظها بتلك المرتبة ، نتيجة للتطورات الاقتصادية والاجتماعية الآخذة بالظهور في عهده (القرن ١٢ ه / ١٨ م)