والمتمثلة بصعود الطبقة الوسطى المنتجة بالدرجة الأساس ، وبما أن الطبقة العليا لا تعمل ، إذ إنّها تستمد ثرواتها من ملكياتها الواسعة للأرض الزراعية خارج المدن ذاتها ، فإنها تفرز قيما وممارسات سلبية (التسلط ، الكذب ، المراءاة).
أما المرتبة أو الطبقة الوسطى ، وإليهم ينتمي السويدي فعلا ، فواضح أنها تضم جميع الفئات المنتجة في المجتمع (أهل الحرف) ومن هنا فإنها تفرز قيما إيجابية تحفظ للمجتمع تماسكه «فلهم رقة وديانة وصلاح وأمانة وإكرام للغرباء وحسن ظن بالصلحاء ، يوادّون الغريب ، ويكرمونه ويبجلونه».
ولنا أن نلاحظ هنا أن موقف السويدي من فئة العلماء ـ وهو نفسه معدود منهم ـ كان موقفا مركبا ، فهو لم ينظر لهم (ككتلة اجتماعية) واحدة ، ومن ثمّ فإنه لم يلحقهم ، بهذه الصفة ، بإحدى الطبقتين العليا ، والوسطى ، وإنما نظر إليهم من داخلهم ، فرأى أن بعضهم قد تحالف مع الطبقة الأولى حفاظا على مصالح مادية بحتة إذ كان «لهم طريق إلى جلب الدنيا» وهم يحاولون تعزيز مواقعهم بتأكيد دورهم الروحي والثقافي لدى الفئات الأخرى «يودون أن كل أحد يقبّل أيديهم ويأخذ عنهم الطريق ولا يبالون بأحد ، يظهرون للعوام أنهم الهداة المرشدون .. لهم حالة يجلبون بها قلوب العوام ويموّهون عليه ويراؤونهم» ، وليس لهؤلاء من همّ سوى جمع الثروات ولو بوسائل غير شرعية ، إذ «لهم مظالم ، ويتعاطون الربويات ، ولهم بيوت صرفوا عليها ما لا يعد ولا يحصى ، شاهقة نحو السماء بحيث لو تباهى فرعون لأنكر عليه».
أما الطبقة الأخيرة ، وهي التي يسميها «المرتبة السفلى» فلا يمكن فهم موقف السويدي منها إلا عند دراسة مكوناتها ، إذ من الملاحظ أنه عد «الينكجرية» على رأس هذه الطبقة ، بينما نعلم أن هؤلاء هم ضباط وجنود فرق الانكشارية العسكرية المكلفة رسميا بحماية النظام والمدينة ، وليس ذلك بغريب إذا ما علمنا بتحول هؤلاء ـ منذ قرن سابق ـ إلى مجرد مرادف دقيق لكلمة (رعاع) فقد انقطعت صلاتهم بالدولة المركزية ، إلّا نادرا ، ومن ثم تلاشت مظاهر ضبطهم العسكري ، بل انخرطت في سلكهم فئات عديدة ، طلبا للحماية أو