ـ في الأكثر ـ دفعا لضررهم ، وتمثلت فرقهم جميع ما هو قائم بين تلك الفئات من علاقات وخصومات ، فكثر رهجهم وزادت مشاكلهم «فهم أجلاف جفاة لا دين ولا مروءة» ، ومن الطبيعي أن يلحق بالطبقة الوسطى ، (وجلّها من أهل الأسواق والحرف) ، أكبر نصيب من آثار الفوضى التي يلحقها الانكشاريون وأتباعهم بأمن المدينة وسكانها.
ويبقى لنا أخيرا أن نقول : إنّ السويدي هو أول مثقف عربي ـ فيما نعلم ـ حلّل مجتمع المدينة العربية في القرون الأخيرة إلى (طبقات) اجتماعية ، متميزة ، لكل منها أخلاقها المستمدة من طبيعة ما تقوم به من دور ، وهو بالتأكيد أول من أعطى تعبير (الطبقة) بعدا اجتماعيا اقتصاديا ثقافيا واضحا على النحو الذي شرحناه.
وفي الرحلة ، بعد هذا ، فوائد جمّة عن بعض مظاهر الحياة الاجتماعية ، فقد تطرق ـ مثلا ـ عند حديثه عن عادات أهل دمشق ، إلى الكلام على زي العلماء الفاخر من «الفرى السمورية والسنجابية والقاقمية وغيرها بحيث يساوي مالا جزيلا».
ووصف عمائمهم ، وعمائم من يقلدهم من الناس ، ونوّه ، وهو في بعض قرى جنوبي الأردن ، بأكلات فاخرة ، ووصف مكوناتها» من أنواع الحلويات السكرية والكاهي والخروف المحشو والمصارين المحشوة والأكارع والرءوس المطبوخة أحسن طبخ وعليها ماء الليمون والبلاو المزعفر وعليه قطع اللحم السمينة والحريرة المطبوخة مع ماء الليمون ، والمخلل المعمول من الزيتون والقرع وغير ذلك».
كما أشار أيضا إلى عادات اجتماعية ، وتقاليد مرعية ، وأعراف شائعة ، انتقد بعضها ، وأقر البعض الآخر ، وهي ـ على أية حال ـ تفيد الباحث في رصد الحياة الاجتماعية في المدينة العربية إبان ذلك العهد.
٧ ـ اهتمامه بالجوانب الثقافية :
يمكننا أن نعد رحلة السويدي إحدى الوثائق النادرة ، عالية القيمة ، التي رصدت الحياة الثقافية في المشرق العربي إبان القرن الثامن عشر ، وأوضحت عمق الصلات الثقافية بين العلماء والأدباء في المدن العربية آنذاك ، فقد سجّل فيها أسماء العلماء الذين التقى بهم