أبينا لأمه الشيخ العارف العامل ، والعالم الكامل ، المتلقي سائر الفنون ، ولا سيما التصوف ، عن مشايخ عظام وعلماء ، سيدي الشيخ أحمد ابن سويد الصوفي ، (١) غائبا عن البلد في القسطنطنية ، فلما سمع بموت أبينا أخيه ، شدّ الرحل على الفور ، وتوجه إلى مدينة السلام بغداد ، فجاءنا ونحن على آخر رمق ، فكفلنا وربانا وأحسن تربيتنا ، إلّا أن كسوتنا غالبها على أمّنا على طريقتها السابقة ، فبعد مجيئه بثلاثة ، (٢) أرسلنا إلى الكتاب ، والشيخ فيه إذ ذاك شيخنا الصالح الناسك الورع التقي العالم العامل الشيخ عبد الرحمن بن الشيخ محمود ، من أهل ما وراء النهر ، (٣) فختمنا عنده القرآن ، وأقرأنا رسالة في التجويد ، وتعلمنا عنده الكتابة ، رحمهالله رحمة واسعة في الدين والدنيا (٤) والآخرة.
ثم أن عمّنا ضمنا إليه ليعلمنا حسن الخط ، وكان له خط في غاية الجودة ثلثا ونسخا على قواعده المعلومة عند الكتّاب ، فأخذ يعلمنا قواعد الكتابة إلى أن مهرنا بها غاية المهارة ، لأنه ـ رحمهالله تعالى ـ كان (٤ ب) يحرضنا عليها ويحثنا على تعلمها إلى أن بقيت أسود مشقي على ضوء القمر. ثم إنه ـ رحمهالله ـ أرسلنا إلى الشيخ حسين نوح المتقدم ذكره لتعلم العلم. وكان شيخنا هذا يدرس بالمدرسة العمرية ، نسبة إلى والي بغداد إذ ذاك عمر باشا (٥) ـ رحمهالله تعالى ـ وهو قد بناها لأجل شيخنا المذكور ، فهو أول من درّس بها
__________________
(١) كان يتولى أوقاف جامع الشيخ معروف في الجانب الغربي من بغداد ، وقد أثنى عليه المؤلف ثناء جميلا فيما يأتي من الكتاب ، وفصل القول في العلوم والمعارف التي تلقاها عنه. ولم تعلم سنة وفاته.
(٢) كذا في النسختين ، ولا ندري إذا كان يقصد : ثلاثة أيام أو ثلاثة أشهر.
(٣) ذكر السيد محمود شكري الآلوسي (مساجد بغداد وآثارها ، بتهذيب محمد بهجة الأثري ، بغداد ١٣١٤ ه ص ١٣٤) أنه رجل من الأفاضل ، ابتنى له عمر باشا المدرسة العمرية ليدرس فيها. قلنا : ونص السويدي التالي يوضح أن أول من درّس في العمرية هو الشيخ حسين نوح الذي تقدمت الإشارة إليه. أما الشيخ عبد الرحمن فكان مدرسا في الكتاب الذي تردد إليه السويدي ، وسيثني عليه فيما يأتي من الرحلة. ولكنه سكت عن تحديد تاريخ وفاته.
(٤) من هنا إلى آخر الصفحة مطموس في أفأكملناها من ب.
(٥) وذلك سنة ١٠٩٠ ، وكان قد تولى بغداد من ٢٠ رمضان ١٠٨٨ الى ١ جمادي الأولى سنة ١٠٩٢ ينظر مرتضى نظمي زاده : كلشن خلفا ، ترجمة موسى كاظم نورس ، بغداد ١٩٦٧ ، ص ٢٨٣.