التدريس العام. وهذه المدرسة على كتف دجلة في الجانب الغربي ، (١) شرقي جامع القمرية ، بفتح القاف والميم ملاصقة له ، فأمرني الشيخ ـ رحمهالله ـ بحفظ الأجرومية متنا وإعراب أمثلتها ، فحفظتها وأتقنتها غاية الإتقان ، فكان إذا وقف أحد من الطلبة في إعراب بيت أو مثال ، يقول : سلوا الأسد ، يعنيني ، رحمهالله. هذا وفي أوان اشتغالي كان إخوتي يتعاطون أمور الدنيا ، وكانت والدتي ـ رحمها الله ـ بلهاء ، وكان نساء المحلة يضحكن عليها ، يقلن لها : أيش ينفعك العلم ، وأنت امرأة أرملة ، وابنك الكبير لا يساعدك في شيء؟ فكانت ـ رحمها الله ـ تقول : يا ولدي! نحن فقراء ، وأنتم أيتام. هب أن عمّك يطعمك فمن يكسوك ، وأنا لا أصغي لها ، حتى ألحت (٥ أ) علي في ذلك وقطعت كسوتها عني ، كل هذا نشأ من بلهها وإغراء نساء الجيران إيّاها ، وإلّا فهي في حد ذاتها مباركة ، رحمة الله عليها. فبقيت أيام الطلب في غاية الاحتياج بحيث إني لا أجد ما أشتري به شمعا أو شيرجا لمطالعة دروسي ، وكنت أطالع على ضوء القمر وعلى سرج السوق أيام مبيتي في المدرسة المرجانية (٢) وبقيت مدة مديدة ما أكلت لحما ، لأني وقت العصر آخذ من بيت
__________________
(١) وصف السيد محمود شكري الآلوسي هذه المدرسة بقوله : «وكانت في هذه المدرسة حديقة مشتبكة الأغصان ، وخزانة كتب يعجز عن وصفها لسان التحرير ، وهي اليوم خراب ، لا مدرس ولا طالب ، ولا تقرير ولا كتاب «(مساجد بغداد وآثارها ص ١٣٥) وجددت هذه المدرسة سنة ١٣١٩ ه / ١٩٠١ م على يد (الحاج عبد القادر البحرية) كما نطقت بذلك الكتابة المثبتة على الآجر المزجج التي كانت في واجهتها ، وقد نقضت المدرسة عند تجديد جامع القمرية الأخير سنة ١٩٧١ ـ ١٩٧٢ م وأدخلت أرضها في ساحة مدرسة إعدادية الكرخ للبنين.
(٢) من كبريات مدارس بغداد في القرون المتأخرة ، وأمر بإنشائها والي بغداد الجلائري الخواجة أمين الدين مرجان ابن عبد الله بن عبد الرحمن (٧٥٨ ـ ٧٦٥ ه / ١٣٥٦ ـ ١٣٦٣ م) مولى الشيخ أويس الجلائري ، لتدريس الفقه الشافعي والفقه الحنفي ، ووقف عليها ، وعلى دار الشفاء التي أنشأها على دجلة عند باب الغربة (أحد أبواب دار الخلافة في العصر العباسي) أوقافا جمة أثبتها في وقفيته التي كتبها بالآجر على باب الخان الكبرى الذي أنشأه بالقرب منهما (خان مرجان) ومنها أربعة خانات ودكاكين متفرقة في جانبي بغداد ومزارع وبساتين خارجها. بنظر نص الوقفية في مصطفى جواد : مجلة لغة العرب ، الجزء ٧ (سنة ١٩٢٩) ص ٦٩٠ وما زال جزء من المدرسة قائما ، بضمنه مدخلها والمئذنة القائمة على كتفه ، بينما نقضت الأجزاء الأخرى وأدخلت في شارع الرشيد عند توسعته ، وشيد عند مدخل المدرسة القائم مسجد جامع كبير عرف بجامع مرجان ، وما زال آهلا بالمصلين إلى الآن.