ما تعني العمل الدؤوب الذي لا يعرف الكلل في عصر عمّ فيه الجهل والتخلّف ، ووهت تلك الأواصر التي تصل حاضر الأمة بماضيها لتتمكن من استشراف المستقبل على أساس من الوعي بالذّات ، ومن ثم الوعي بالآخر الذي قطع أشواطا في مضمار التمدّن والرقيّ.
فاللغة العربية لسان الأمّة ، وذاكرتها ، ومخزن عبقريتها ، ووسيلتها للتعبير عن حاجات العصر ، كانت قد غلبت عليها العجمة ، والركاكة ، وأثقلتها قيود الصنعة ، فبدت عاجزة عن مواكبة العصر ومستجدّاته ، إلى أن قيّض الله لها تلك النخبة المستنيرة ممّن اخترقوا حجب الجهل ، وبدّدوا بمشاعل قرائحهم ظلمات التخلّف والركود؟ ليعيدوا إلى هذه اللغة حيويّتها ، وقدرتها على الاستجابة لمتطلّبات النهوض والإصلاح.
وكان الشدياق في مقدمة هؤلاء الأعلام؟ إذ وجّه جلّ اهتمامه إلى بعث العربيّة من رقدتها ، وإحياء آدابها وكنوزها ، ولعلّ خير دليل على ذلك عناوين كتبه من مثل :
ـ سرّ الليال في القلب والإبدال ، وهو كتاب لغوي تحليلي يقع في ٦٠٠ صفحة من القطع الكبير.
ـ الجاسوس على القاموس. ألّفه في الآستانة ، ينتقد فيه القاموس المحيط للفيروز آبادي ويقع في ٧٠٠ صفحة من القطع الكبير.
ـ منتهى العجب في خصائص لغة العرب ، نحا فيه نحوا لم يسبق إليه ، ويقع في عدّة مجلّدات ، ولكنّه فقد في الحريق الذي أصاب منزله في الآستانة. هذا إلى جانب مساهماته الكثيرة في جريدة الجوائب على مدى ثلاثة عقود تقريبا.
لكن اهتمام الشدياق بشؤون اللغة والأدب لا يعني البتّة أنّه قصر عنايته على هذا المجال فحسب ، بل توجّه في كتبه الأخرى ومقالاته العديدة إلى التبشير بحقائق العصر الحضارية ، ومحاربة الجهل والتعصّب ، والوقوف في وجه الظلم ، وتندرج في هذا السياق دعوته إلى تخليص المرأة من القيود الجائرة ، التي حالت دون مساهمتها الفاعلة في بناء المجتمع الحديث ، وذلك بتعليمها ، وتهذيبها ، وتأكيد إنسانيتها ، وفتح