هو انصرف عن عدوّ قمت مقامه ، فكتب له ، فجاشت جماعة من طخارستان ، فشاور قيس بن الهيثم ، فأشار عليه ابن خازم أن يتصرف حتى يجتمع إليه أطرافه ، فانصرف ، فلما سار مرحلة أو ثنتين (١) أخرج ابن خازم عهده ، وقام بأمر الناس ، ولقي العدو ، فهزمهم وبلغ الخبر المصرين (٢) والشام ، فغضبت القيسية ، وقال : خدع قيس (٣) وابن عامر ، فأكثروا في ذلك حتى شكي إلى معاوية ، فبعث إليه ، فقدم به ، فاعتذر مما قيل فيه ، فقال له معاوية : قم فاعتذر إلى الناس غدا ، فرجع ابن خازم إلى أصحابه ، فقال : إنّي قد أمرت بالخطبة ، ولست بصاحب كلام ، فاجلسوا حول المنبر ، فإذا تكلمت فصدّقوني ، فقام الغد ، فحمد الله ، ثم قال : إنما يتكلف الخطبة إمام لا يجد منها بدا ، أو أحمق يهمر (٤) من رأسه لا يبالي ما خرج منه ، ولست بواحد منهما ، وقد علم من عرفني أنّي بصير بالفرص ، وثاب عليها ، وقاف عند المهالك أنفد بالسرية ، وأقسم بالسوية ، أنشدكم بالله من كان يعرف ذلك مني لما صدّقني ، فقال أصحابه حول المنبر : صدقت ، فقال : يا أمير المؤمنين إنّك فيمن نشدت ، فقل بما تعلم ، فقال : صدقت.
أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد ، أنا محمّد بن محمّد بن أحمد بن المسلمة ، أنا علي بن أحمد بن عمر بن حفص ، أنا محمّد بن أحمد بن الحسن بن الصّوّاف ، نا الحسن بن علي القطان ، نا إسماعيل بن عيسى ، أنا إسحاق بن بشر ، قال :
وانصرف عبد الله بن عامر بن كريز إلى البصرة ، واستعمل على خراسان قيس بن الهيثم السلمي ، وكان أحد أخواله ، أم عبد الله دحاجة ابنة أسماء بن الصلت السّلمية ، وقد كان أراد أن يستعمل عبد الله بن خازم السلمي على خراسان ، وهو أحد أخواله ، فقال عبد الله : اكتب لي عهدا إن قيس بن الهيثم مات ، أو سار من خراسان فأنا أميرها ، فكتب له عهدا ، فأسرّه حتى لقي قيس بن الهيثم ، وكان ابن عمّه ، وكانت أمّ عبد الله يقال لها : عجلى ، فلما أتى قيس بن الهيثم وحده وقد نزل به العدو ، فقال له عبد الله : نفسك ، نفسك ، أنت متهيب للعدوّ ، ولا تدري يأتيك مدد أم لا ، قال : فما الرأي؟ قال : أن تسير إلى أميرك ، وتدع ما هاهنا ، فسار قيس إلى البصرة ، فلما أمعن وعلم أنه قد
__________________
(١) في م : «اثنتين» وفي الطبري : أو مرحلتين.
(٢) عن الطبري ، وبالأصل وم : المصريين.
(٣) كذا بالأصل وم والمطبوعة ، وفي الطبري : خدع قيسا.
(٤) يقال : همر الكلام يهمره : أكثر فيه.