وقعة الحرّة وكانت الخوارج قد أتته وأهل الأهواء كلهم ، وقالوا : عائذ بيت الله وكان شعاره : لا حكم إلّا لله ، فلم يزل على ذلك بمكة ، وحجّ بالناس عشر سنين أولها سنة اثنتين وستين ، وآخرها سنة اثنتين وسبعين ، ولما بلغ يزيد بن معاوية وثوب أهل المدينة (١) وإخراجهم عامله وأهل بيته عنها ، وجّه إليهم مسلم بن عقبة المرّي ، فذكر إيقاع مسلم بهم وتوجيهه حصين بن نمير عند موته إلى ابن الزبير وحصره إياه إلى أن أتته وفاة يزيد بن معاوية ، وقد ذكرت ذلك في ترجمة مسلم وحصين ، وفيه : فدعا ابن الزبير من يومئذ إلى نفسه ـ يعني عند رجوع حصين ـ فبايع الناس له على الخلافة ، وسمّي أمير المؤمنين وترك الشعار الذي كان عليه ، ودعائه عائذ الله ، ولا حكم إلا لله ، قبل أن يموت مصعب بن عبد الرّحمن بن عوف ، والمسور بن مخرمة ، وفارقته الخوارج وتركوه ، وولى العمال ، فولى المدينة مصعب بن الزبير بن العوام ، فبايع له الناس ، وبعث الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة إلى البصرة ، فبايعوه ، وبعث عبد الله بن مطيع إلى الكوفة ، فبايعوه ، وبعث عبد الرّحمن بن عتبة بن جحدم الفهري على مصر أميرا فبايعوه ، وبعث وإليه إلى اليمن فبايعوه ، وبعث واليه إلى خراسان فبايعوه ، وبعث الضّحّاك بن قيس الفهري إلى الشام واليا فبايع له عامّة أهل الشام ، واستوسقت له البلاد كلها ما خلا طائفة من أهل الشام كان بها مروان بن الحكم وأهل بيته (٢).
أخبرنا أبو غالب بن البنّا ، أنا أبو يعلى بن الفراء ، أنا محمّد بن عبد الرّحمن بن العبّاس ، نا عبد الله بن محمّد بن عبد العزيز ، نا داود بن رشيد ، نا شعيب بن إسحاق ، نا هشام بن عروة ، عن أبيه : أن يزيد بن معاوية كتب إلى عبد الله بن الزبير أنّي قد بعثت إليك سلسلة فضة وقيدا من ذهب ، وجامعة من فضّة ، وحلفت لتأتيني في ذلك ، قال : فألقى الكتاب وقال :
لا ألين لغير الحقّ أسأله |
|
حتى يلين لضرس الماضغ الحجر (٣) |
أنبأنا أبو عامر محمّد بن سعدون بن مرجّى العبدي ، أنا أبو الحسين المبارك بن
__________________
(١) بعدها بالأصل : على.
(٢) الخبر مطولا ـ ببعض اختلاف ـ ونقلا عن ابن سعد نقله الذهبي في سير أعلام النبلاء ٣ / ٣٧٢ وتاريخ الإسلام (٦١ ـ ٨٠ ص ٤٤١).
(٣) البيت في حلية الأولياء ١ / ٣٣١ وسير أعلام النبلاء ٣ / ٣٧٣ وتاريخ الإسلام (٦١ ـ ٨٠ ص ٤٤٣) وفي المصادر : «ولا ألين».