قلت فمدينة سلا (٤٦٣) ، قال العقيلة المفضّلة ، والبطيحة المخضّلة ، والقاعدة المؤصّلة ، والسورة المفصّلة ، ذات الوسامة والنضارة ، والجامعة بين البداوة والحضارة. معدن القطن والكتّان ، والمدرسة والمارستان ، والزاوية كأنها البستان والوادي المتعدّد الأجفان ، والقطر الآمن عند الرجفان ، والعصير العظيم الشان ، والأسواق الممتازة حتى برقيق الحبشان. اكتنفها المسرح والخصب الذي لا يبرح ، والبحر الذي يأسو ويجرح ، وشقّها الوادي يتمّم محاسنها ويشرح. وقابلها الرّباط (٤٦٤) الذي ظهر به من المنصور الاغتباط ، حيث القصبة والساباط (٤٦٥) ووقع منه بنظرة الاعتباط ، فاتسع الخرق وعظم الاشتطاط ، وبعد الكمال يكون الانحطاط.
إلى شالة (٤٦٦) مرعى الذمم ونتيجة الهمم ، ومشمخ الأنوف ذوات الشمم ، وعنوان بر الدّيّم ، حيث الحسنات المكتتبة ، والأوقاف المرتبة ، والقباب كالأزهار مجودة بذكر الله أناء الليل وأطراف النهار ، وطلل حسّان المثل في الاشتهار (٤٦٧). وهي على الجملة من غيرها أوفق ، ومغارمها لاحترام الملوك الكرام أرفق ، ومقبرتها المنضّدة عجب في الانتظام ، معدودة في المدافن العظام ، وتتأتى بها للعبادة الخلوة ، وتوجد عندها للهموم السلوة ، كما قال ابن الخطيب :
وصلت حثيث السير فيمن فلا الفلافلا خاطري لمّا نأى وانجلى انجلى
ولا نسخت كربي بقلبي سلوة |
|
فلمّا سرى فيه نسيم سلا سلا |
__________________
(٤٦٣) Sale راجع ما سبق أن قيل عن هذه المدينة في الرسالة الثانية ص (٣٩).
(٤٦٤) مدينة رباط عاصمة المغرب الأقصى اليوم ، بناها الخليفة المنصور أبو يوسف يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن (٥٥٤ ـ ٥٩٥ ه) أعظم ملوك الموحدين ، وسمّاها (رباط الفتح) وهذه المدينة تقابل وتواجه مدينة سلا فقيل الرباط وسلاه ويفصلهما وادي أبو الرقراق (بور جراج) (السلاوي : الاستقصا ج ١ ، ص ١٦٤ ـ ١٨١).
(٤٦٥) الساباط ، سقيفة بين دارين ، تحتها طريق وجمعها سوابيط وساباطات
(٤٦٦) Chella شالة سلا حيث مقابر ملوك بني مرين. راجع ما قلناه عنها سابقا (ص ١٣).
(٤٦٧) إشارة إلى مسجد حسان بمدينة الرباط الذي كان من أعظم مساجد الإسلام ، بناه الخليفة الموحدي يعقوب المنصور وسمّي باسم مهندسه حسّان. وقد تعرض هذا المسجد لحريق وزلزال أطاح بطرف صومعته وصار مضرب الأمثال في الشهرة والاعتبار.