وعملنا على الصعود إلى الجبل المطل عليها ، والجارح المرفرف على درّاجها مقتصرين على حدود هنتاته ، عنصر الدعوة ، وأولياء الدولة المرينية ، وحلفاء الطاعة المخصوصين برعي الجوار ، والاستماتة من دون الحرمة ، وشد عروة الوفاء ، وسد الخلّة واستحقاق الشّفوف (٤٩٢) على غيرهم والمزية ، إذ كان ذلك أقوى بواعث الوجهة ، وأخلص مقاصد الرحلة.
وقدمت بين يدي وصولي إلى مراكش ، المخاطبة إلى عميد تلك البقعة ، وشاه تلك الرقعة ، صدر هذه الحدود القصوى ، المتميّز بالرجاحة والرأي والسياسة ، المتفق فيه إفاضة العدل ، وكف اليد ، والتجافي عن مال الجباية ، والمستأثر بحمد الجمهور من الرعية ، وحب أولي العفاف والخيرية ، إلى النّبل الذي لا يطيش نبله ، والإدراك الذي لا يفلّ حدّه ، والدهاء الذي لا يسير غوره ، والمعروف الذي لا يتجاوز محالّ الضرورة حكمته ، عامر بن محمد علي (٤٩٣) الهنتاتي ، بما نصه (٤٩٤) :
__________________
geografique d\'apres Leon I\'Africain) Alger ٦٠٩١).
ولقد ترجم هذا الكتاب إلى العربية حديثا مرتين : الأولى على يد عبد الرحمن حميده (الرياض ١٣٩٩ ه ، ١٩٧٩ م) والثانية بواسطة محمد حجي ومحمد الأخضر (الرباط ١٤٠٠ ه ، ١٩٨٠ م).
هذا وقد أشار الوزان إلى جبل هنتاته باسم محرف Hantera هنتيرا وقال إنه جبل مرتفع جدا وأهله مشهورون بالغنى والشجاعة. راجع (الترجمة الإسبانية ص ٧٦ ـ ٧٧) راجع كذلك : (Levi Provencal : Decoments Inedits D, Histoire Almohade p. ٢٦ Note ٤)
(٤٩٢) الشفوف بمعنى السمو.
(٤٩٣) عامر بن محمد بن علي المكنى بأبي ثابت ، شيخ هنتاته من قبائل المصادمة ؛ تولى أحكام الشرطة بتونس في عهد السلطان أبي الحسن المريني ثم ولى الجباية لأبي عنان فارس فكفاه مؤنتها.
وكان أبو عنان يقول عنه (وددت لو أصبت رجلا يكفيني ناحية المشرق من سلطاني كما كفاني محمد بن عامر ناحية المغرب ، وأتودع). انظر (ابن خلدون : العبر ج ٧ ، ص ٣٠٠ ـ ٣١٨) وقد أورد ابن الخطيب ترجمة لهذا الشيخ في كتاب الإحاطة (لوحة ٣٤٦ ـ ٣٤٧ اسكوريال) وقد أشار فيها إلى أن السلطان أبا الحسن المريني عهد إلى عامر هذا بحفظ حرمه في سفن خاصة بجوار الساحل الأندلسي وذلك عند ما دخل بجيوشه أرض الأندلس لمحاربة الثالوث المسيحي الإسباني : قشتالة ، أرغونة ، البرتغال. ومن المعروف أن هذه الحرب انتهت بهزيمة السلطان المريني في وقعة طريف Del Salado عام ٧٤١ ه (١٣٤٠ م) واستشهد عدد كبير من المسلمين من بينهم والد ابن الخطيب وأخوه.
(٤٩٤) نقل المقّري هذا الخطاب في كتاب نفح الطيب ج ٨ ، ص ٣١٤ ـ ٣١٥ (طبعة محي الدين عبد الحميد).