غزر ماؤها وصحّ هواؤها ، وأينعت أرحاؤها ، وضفى عليها من المحاسن رداؤها.
وانتهبنا السهل انتهابا ، فدخلنا المدينة في متمكّن الضحى ، وألفينا محلّة ولد السلطان مولانا قد استعجل الأمر استقدامها ، فخيّمت على فرسخين ، فشرعنا في الأياب ، وانتحينا طريق الساحل لنستدرك بمدينة آسفي (٥٥٥) زيارة من بها من أولياء الله الصالحين وعباده المقرّبين.
وكل أخ مفارقه أخوه |
|
لعمر أبيك إلا الفرقدان (٥٥٦) |
قلت نعم والفرقدان ، سبحان من استأثر بالبقاء لا إله إلا هو.
ولقيت بهذه المدينة جملة من أولي الدين والدنيا ، فمن أهل الدنيا الشيخ الجليل كبير القطر ، ومفرغ الرأي ومسيطر خاصة الإمارة ، متصرّف وجوه الوجوه أبو ثابت عامر بن محمد ، وأخوه (٥٥٧) هضبة الوقار ، ونير الأفق ، وزهرة روض ذلك الحزن (٥٥٨) ، ويأقوتة ذلك الجبل ، وقد مرّ من التعريف بهما ما يغني عن الإعادة. ومنهم نائب الملك وحافظ الرّسم وجار القصر الشيخ الفقيه علي بن العباس بن موسى بن أبي حمّو (٥٥٩) ، المعتام لكفالة أولياء العهد ، المستظهر بأمانته وصدقه على حفظ الأقطار المستباح الحمى في سبيل الوفاء ، أجمل الشيوخ وجنة ، وأسناهم شيبة ، وأحسنهم صورة ، إلى الخلق السهل واللسان البليل الإطراء والبر ، والذرع الفسيح ، والمخاطبة المفضلة
__________________
(٥٥٥) راجع ما سبق أن قلناه في تعريف هذه المدينة في (صفحة ٧٧ حاشية ١).
(٥٥٦) الفرقد : نجم قريب من القطب الشمالي يهتدى به ، وبجانبه آخر أقل منه فهما فرقدان.
(٥٥٧) عبد العزيز السابق الذكر.
(٥٥٨) الحزن : ما غلظ من الأرض وقلّما يكون إلا مرتفعا ، وجمعها حزن وحزون.
(٥٥٩) لعله من أسرة بني حمو أو بني عبد الواد أو بني يغمراسن ، ملوك تلمسان والمغرب الأوسط (الجزائر) ، راجع تاريخهم في كتاب (أبو زكريا يحيى بن خلدون : بغية الرواد في ذكر الملوك من بني عبد الواد) نشره وترجمه إلى الفرنسية الفرد بل Alfred Bel ، الجزائر ١٩٠٣. انظر كذلك (J. Barges; Histore de Beni Zeiyan, Rois de Tlemecen ـ نظم الدر والعقيان في بيان شرف بني زيان ـ للإمام سيدي أبو عبد الله محمد بن عبد الجليل التنسيOuvrage traduite de l, arabe, Paris ٢٥٨١ (; J. l, Histoire des Beni Zeiyan Rois de Tlemecen, ouvrage du Barges : Complement de الشيخ محمد عبد الجليل التنسي (Paris ٦٨٨١).