وتجّارها تعقد لواء خالقا ، وتقيم الجهاد سوقا نافقا ، وتركض الخيول السابحة ، وتعامل الله على الصفقة الرابحة ، وكفاها أنّها أم للعدّة من الثغور والحصون ، والمدن ذات الحمى المصون ، وشجرة الفروع الكثيرة والغصون وما منها إلا معقل سام ، وبلد بالخيل والرجل مترام ، وغيل حام ، يحتوي بها ملك باذخ ، وينسق فيها للسلطان فخر شادخ.
وأين سلا من هذه المزية ، والشنعة العلية ، أين الجنود والبنود ، والحصون تزور منها الوفود ، وإن كان بعض الملوك ذهب إلى اتخاذها دارا ، واستيطانها من أجل الأندلس قرارا ، فلقد هم وما أتم وطلله نم.
ولنقل في الحضارة بمقتضى الشواهد المختارة ، ولا كالحلى والطيب ، والحلل الديباجية والجلابيب ، والبساتين ذات المرأى العجيب ، والقصور المبتناة بسفوح الجبال ، والجنّات الوارفة الظلال ، والبرك الناطفة بالعذب الزلال ، والملابس المختالة في أفنان الجمال ، والأعراس الدّالة على سعة الأحوال ، والشورات المقدرات بالآلاف من الأموال.
وأما سلا ، فأحوال رقيقة ، وثياب في غالب الأمر خليقة ، وذمم منحطّة ونفقات تحصرها من التقتير خطّة ، ومساجد فقيرة ، وقيسارية حقيرة ، وزيّ مجلوب وحلي غير معروف ولا منسوب ، تملأ مسجدها الفذ العدد والأكسية ، وتعدم فيها أو تقل الطيالس والأردية ، وتكثر البلغات ، وتندر النعال ، وتشهد بالسجية البربرية والأصوات واللغات والأقوال والأفعال.
وأما العمارة ، فأين يذهب رائدها ، وعلام يعول شاهدها ، وما دار عليه السور متراكم متراكب ، منتسجة مبانية كما تفعل العناكب ، فناديقه (٣٢٥)
__________________
(٣٢٥) فنادق جمع فندق